دروس عاجلة من اليمن

دروس عاجلة من اليمن

01 ابريل 2015

يمنيون يتظاهرون ضد انقلاب الحوثي في إب (28 مارس/2015/الأناضول)

+ الخط -

أهم درس يمكن استخلاصه من الحدث اليمني أن إيران، في قمة اندفاعتها الآن، لا يمكن أن تتخلى عن أي مكسب يمكنها تحقيقه، ما دامت لا تواجَه بما يمنعها من ذلك. وإيران، مع أداتها من الحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح، لم يلتفتوا لأي حل سياسي، يوم لم يكن ثمة أحد يواجههم، واستمروا في انقلابهم و"زحفهم المقدس" لاحتلال اليمن، إلى أن "وقع الفأس بالرأس"، فتراجعت إيران، وأخذت تدعو إلى الحوار والحل السياسي، وأصبح صالح من الحمائم، ويقدم مبادرة. الدرس المستخلص أن القوة وحدها هي ما ينفع في مواجهة استراتيجية عدوانية، عملاً بقاعدة إن امتشق الطرف الآخر سلاحه، فالسلاح يُقارَع بالسلاح، وليس بالكلمة الطيبة، وإظهار التردّد يجعل الطرف الآخر يزداد طمعاً.

الدرس الثاني أن إيران لن ترد عسكرياً، فإضافة إلى أن الرد العسكري يعدّ مغامرة، قد تأتي على نظام الملالي برمته، فقدراتها العسكرية محدودة، بل وضعيفة، عكس ما يبدو في الظاهر، فتعداد قواتها العسكرية النظامية محدود، عدا الحرس الثوري، وتسليح قواتها مع حرسها الثوري ضعيف وتكنولوجيا قديمة، ما لا يؤهلها لأية مواجهة عسكرية دولية. لذا، تسعى إلى تعويضه، بالسعي إلى امتلاك قنبلة نووية من جهة، والاعتماد على مليشيات مذهبية محلية في البلدان المستهدفة منها.

الدرس الثالث أن "نصف الحل" الذي جرى في اليمن عبر المبادرة الخليجية 2011، هو السبب في استمرار أزمته، وتدهور وضعه وضياع ثورة شعبة. فقد بقي صالح مسيطراً على الجيش والحرس الرئاسي والأمن، ما مكّنه من عرقلة سير التحوّل لأن يصبح اليمن مثالاً آخر مع تونس على نجاح الانتقال إلى حكم وطني ديمقراطي. فقد تمكّن صالح، الذي بقي مسيطراً على القوة العسكرية، من استعادة زمام المبادرة، وتحالف مع أعداء الأمس الذين حاربوه سنوات عديدة، "مع الحوثيين"، مكّنه من إعادة إنتاج نظامه القديم من جديد، برئاسة نجله، و"عاصفة الحزم" هي ما أوقف هذا المشروع الانقلابي.

الدرس الرابع أن المبادرة الخليجية التي كانت نصف حل، لم يتم استكمالها ومتابعة برنامجها التنفيذي لإنجاز الانتقال بسلام، عبر تفكيك النظام القديم، وفق برنامج محدد الخطوات والزمن، وإعادة بناء المؤسسات الجديدة للنظام الجديد، واستخدام الثقل الاقتصادي والسياسي لمجلس التعاون الخليجي، وإغراء اليمن باتفاق خاص مع المجلس "عضواً مراقباً" فيه، مثلاً، يسهم في تنميته، ما يقطع الطريق على إيران مرة واحدة. بينما ترك اليمن لصراعات داخلية غير متكافئة بين نظام سابق يمسك بتلابيب اليمن، حيث تمت إزالة رمزه (علي صالح) من الواجهة، بينما بقي نظامه كما هو وقوته لم تمس، فتمكن من إعادة قلب الموازين، بتحالفه مع الحوثيين.

الدرس الخامس، خطورة وجود مليشيات تتبع للخارج، وترتهن له وتأتمر بأمره، وهذا ينطبق على إيران على نحو خاص التي تعتمد على قوى موالية مذهبياً، تحوّلها إلى مليشيات مسلحة، ترتبط بها مباشرة برابط سياسي بلبوس ديني، كما ينطبق على أية مجموعات داخلية أخرى ترتبط بدول أخرى. وينطبق هذا على جميع بلداننا، وليس فقط على اليمن.

الدرس السادس أن غياب استراتيجية عربية تواجه استراتيجيات القوى الإقليمية الأخرى، مثل إيران خصوصاً، ثم إسرائيل وحتى تركيا، يجعل اللاعبين الإقليميين يتمددون على حساب السيادات العربية، ويهددونها، مستغلين التشرذم وغياب إرادة المواجهة. وبالتالي، يجب أن تُواجَه استراتيجيات الدول الإقليمية واستراتيجيات القوى الكبرى في المنطقة بمشروع استراتيجي عربي متكامل، يضمن علاقات متوازنة بين القوى الإقليمية الأربع: العرب، الأتراك، الإيرانيون، الإسرائيليون.

الدرس الأهم الآن، أن تكرار أنصاف الحلول مجدداً في اليمن، مع الحوثيين وعلي صالح وإيران، يعني بقاء المشكلة مستمرة للمستقبل. وطالما أن العمل العسكري قد بدأ في اليمن، فلا بد من المضيّ فيه، حتى فرض مجموعة شروط على الانقلابيين، متمثلة في اجتثاث علي صالح والقيادات العسكرية التابعة له، ومنعه من ممارسة أي نشاط سياسي مستقبلاً، وإعادة بناء المؤسسة العسكرية اليمينة، لتكون القوة الضاربة بيد الحكومة التي ينتخبها الشعب، وفرض الانسحاب على الحوثيين من المناطق والمؤسسات والثكنات التي احتلوها، وأن يعودوا إلى مناطق عيشهم المعتادة، وأن يتخلوا عن أسلحتهم، وأن يتم حصر السلاح بيد الدولة، وأن يقبلوا المبادرة الخليجية، ومخرجات مفاوضات الشراكة بالكامل، والاعتراف بالسلطة الشرعية لهادي، وإصدار الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية على أساسه.

هكذا فقط يمكن لإيران أن تفهم، وأن تقبل أن تكون قوة من قوى المنطقة، لها حقوقها ودورها. ولكن، ليست القوة المهيمنة كما ترغب، وأن تكف عن مشاريع تصدير الثورة واللعب بالعوامل المذهبية في دول الجوار.