الرصاصة المسلمة في سورية

الرصاصة المسلمة في سورية

01 ابريل 2015
+ الخط -

كانت شعارات سلمية كثيرة في سورية مخضبة بنكهة إسلامية، وفي الوقت نفسه، مقبولة "علمانياً"، فطابعها الإسلامي يحمل جانباً متحدياً، وأحياناً بلاغياً، وفي الأغلب إيمانياً خالصاً. دشنت السلمية آخر خطواتها، بحملة واسعة لإزالة الصور والملصقات والتماثيل من الشوارع العامة، حتى أصبحت أية مظاهرة لا تنتهي إلا بحفلة حرق، أو تمزيق، أو سحق لصور الرئيس السابق أو أحد أبنائه. وكان هذا السلاح "الأعنف" الذي حمله ثوار اللحظة الأولى، واستعانوا بالنداء الديني بكثرة، مترافقاً مع نداءات وطنية منوعة.

كان المتظاهرون السوريون، في أوائل أيامهم، يديرون ظهورهم للكاميرات، وكان المصورون الهواة يتجنبون الوجوه والعلامات الفارقة، بقصد أن يبقى المشارك بالمظاهرة مجهولاً. ولكن، بدأت المرحلة العسكرية بهجوم كثيف على "يوتيوب"، كانت الكتائب العسكرية والمجموعات المسلحة الصغيرة تحرص على عرض بيان تأسيسها عليه، بإعلانٍ يبدأ بتلاوة آيات قرآنية ذات طابع جهادي، معلنة عن اسم إسلامي في معظم الأحيان، وأحياناً أخرى، كانت الكتائب تتبنى، للنكاية، اسماً ذا دلالة مختلفة.

لم تكن كل المجموعات المشكلة ذات إسلام بمعناه الإيماني، بل كانت ترغب بإحاطة نفسها بقبول ديني في الأوساط المحلية، فالإسلام هو المنهل الثقافي الوحيد في المجتمع الثائر، وسيقبل الناس أي شيء يأتي تحت عنوانه، وسيكون أكثر قبولاً، لو تبنى منحى تصادمياً مع النظام.

استُقبلت الكتائب والسرايا المسلحة بحماس شعبي، وتم احتضانها بعطف وعناية، وقد نجحت بإحلال نفسها بديلاً أمنياً ودفاعياً، لكنها أحدثت شكلاً من الركود بثبات متاريسها حول مناطق نفوذها، واكتفائها بتلقي قذائف النظام بعيدة المدى، وتفرغها شبه الكامل لإدارة المناطق بشكل كيفي، أو حتى مزاجي، عبثي، بخبرة معدومة، وثقافة وطنية هشة. واعتمدت على الدين عنواناً وحيداً لسلوكها الخاص في مجابهة النظام، أو في تعاملها مع المدنيين.

وكان الضغط على السكان المحليين مضاعفاً، فقصف أسلحة النظام من جهة، والتعايش مع حكم عقلية جهادية سطحية بدأت تأخذ شكلاً عنيفاً من جهة أخرى، شكلاً تكون مجابهة النظام جزءاً منه، وليس هدفه الوحيد، قبل أن يتضخم المكون الديني فيما بعد بشكل مبالغ فيه، وربما مقصود في حالات معينة، حتى طغى الشعار الإسلامي على ما عداه، وصولاً إلى مقولة في غاية التطرف، هي الخلافة.

لم يلق الشكل الإسلامي لمواجهة النظام قبولاً دولياً، وقد أحجمت الدول المؤثرة عن دعمه، على الرغم من محاولات بسيطة لجذب جزء منه، لتشكيل ما اصطلح على تسميته، فيما بعد، "قوى معتدلة". لم تكن الشخصيات، ولا المجموعات، التي تجاوبت مع تلك المحاولات، ذات ثقل أو تأثير، فسرعان ما تهاوت وتفككت، لصالح تنظيمات أخرى أكثر تشدداً، تعتمد على موارد داخلية ثابتة، وخطاب أكثر صلابة، يعلن العداء "تقريباً" لكل شيء، ما جعل "المعارض" الحامل للهم الوطني يحك رأسه بحيرة، وهو يجرد حساباته، محاولاً إيجاد قواسم مشتركة مع أي شيء، وقد أجبرته الجرائم الكبيرة التي تهطل مع البراميل، والجرائم الصغيرة في الساحات العامة، على تشكيل موقف "عدمي"، لا يعترف فيه بشيء، ولا يرجو شيئاً، وكأن ما يحدث منذ أربع سنوات مجرد "عبث مؤذٍ".

من بين كل الأسلحة "الاستراتيجية" التي استخدمها النظام، اختارت أميركا السلاح الكيميائي الذي اسُتخدم على نطاق واسع في الغوطة، فهددت بضربة جوية تستهدفه. كان النظام يلجأ إلى الكيمياء، عندما يشعر بحراجة موقفه، فيستخدم الغازات، من دون حرج، لكن التهديد، هذه المرة، كان جدياً وقابلاً للتنفيذ "على مضض"، قبل أن يقذف الروس طوق نجاة للنظام، و"رشوة كبيرة" لباراك أوباما، تتلخص بمبادرة "تشليح" النظام رداءه الكيمائي بالكامل وتسليمه، مع كل ما يتعلق به من وثائق ومستندات وخطط ومواقع، للغرب، وبذلك حقق أوباما نصره، وارتمى النظام في جنة "الأسلحة التقليدية"، وكأنه حصل على كفّارة لكل ما سيقوم به.

جاء الوضع الحالي، بكل تعقيداته، وكأنه نتيجة غير مباشرة لأسلوب المقاومة العسكرية الإسلامية الذي سلكته المعارضة ضد نظام الأسد، ولعب النظام لعبته من خلال هذا الوضع، وكسب مزيداً من النقاط، وما زال يكسب، فيما يحتفظ النمط الجهادي بأسلوبه، ويصر عليه.