إنه يحاضر في الشرعية

إنه يحاضر في الشرعية

01 ابريل 2015
+ الخط -
للحقيقة وللتاريخ..
بماذا ستجيب، لو سألك أحد أبناء الجيل الصاعد مستقبلا، أطال الله في عمرك، عن فخامة الرئيس العظيم القائد المغوار، عبد الفتاح السيسي، زعيم الأمة وموحد الوطن العربي، ماذا ستقول؟
الجيل المقبل هو جيل تقنية لا محالة، ولا شك أنه سيتعرف على الإنترنت، منذ نعومة أظافره، ولربما سيكون من نافل القول تصفحه "يوتيوب" ومشاهدته كل ما يبحث عنه، فماذا لو شاهد مصادفة عبد الفتاح السيسي في القمة العربية السادسة والعشرين، وهو يحاضر في "حق الرئيس اليمني الشرعي بالحكم"، ويثور ضد "الانقلاب الحوثي على الشرعية"؟
ربما سيظن الجيل المقبل أن هذا الرئيس عادل ومنصف وغيور على الحق والشرعية، وربما يظن أنه أصلا رئيس شرعي ومنتخب من الشعب، فما عساك تقول أمام هذا الافتراء الصريح، وكيف لك أن تحجب شمس حقيقة يوتيوب، خصوصاً لدى جيل يفكر بعينيه، ويسمع أكثر مما يقرأ، ويأبى الغوص في التحليل والنقد، جيل ذي ثقافة شفوية رقمية؟ لكن، وعلى الرغم من كل شيء، هيهات هيهات أن يكون الجيل المقبل بهذا المستوى من السذاجة، ويصدق ماضيه الذي هو اليوم حاضرنا نحن، ويصدق ما يخرج ويصدر عن السيسي من ترهات رومانسية، الواقع منها براء، أو تصريحات خشبية، الحقيقة عنها بعيدة. لا داعي للاعتماد في البحث عن الحقيقة، على تطبيل وتهليل القنوات المصرية التجارية التي تجعل من الحبة قبة، ومن الكارثة تفاهة، بل تكاد تسبّح بحَمد السيسي، وكأنه فعلا نبي معصوم أرسله الله إلى مصر، هو ووزير داخليته، كما أرسل موسى وهارون، على حد تعبير أحد تجار الدين في وزارة الأوقاف.
عندما سيسألك أحد من الجيل الصاعد، هل تستطيع أن تقول الحق، ولا شيء غير الحق؟ هل ستجيب بكل صراحة، وتقول إن العسكري عبد الفتاح السيسي كان في المخابرات الحربية في عهد مبارك الذي لم يتقدم بالبلاد قيد أنملة طوال 30 سنة، وبعد ثورة 25 يناير 2011 تم انتخاب رجل اسمه محمد مرسي، ليكون أول رئيس مدني في تاريخ مصر الحديث، لكن لم ينتخبه الشعب كله، وهذا بديهي، بل نصفه تقريبا، كأوباما وهولاند.
هل تستطيع أن تقول إن الرئيس مرسي رقى السيسي إلى رتبة فريق، ليعينه وزير دفاعه، لكن عوض الدفاع عن الوطن والثورة، هاجمهما، مبتدئا بعضّ اليد التي رقته وعينته وزيراً، ووضعت فيه الثقة، على أمل تحقيق "رؤية" شاهدها، وفحواها أن السادات يبشره بعرش مصر، وكيف لا يصادر العسكر مجال الحلم أيضاً، وهم قد استحوذوا على مدخرات البلاد وخيرات العباد من اقتصاد وسياسة وأملاك، منذ الانقلاب على الملك فاروق، حتى أن ثروات الملك لم تذهب إلى الشعب، بل تفرقت بين أيادي الضباط الأحرار.
هل تستطيع أن تقول إن السيسي لم يستسغ، هو ومن معه، أن تعود أملاك الشعب إلى الشعب، ولا أن يسيّر الشعب نفسه بنفسه، لأن الشعب المصري، في نظر العسكر، لا يزال صغيرا وقاصرا عن تلك المهة، وأن تدبير سياسات الدولة لا يمكن أن يوكل إلا لـ "جمهورية الضباط"، وهي دولة فوق الدولة، كما سماها يزيد صايغ، فشرع في تحقيق حلمه الشخصي والهدف العسكري الإقطاعي، المتمثل في حماية ما جنته المؤسسة العسكرية من امتيازاتٍ، لا يتسع المجال لذكرها، فهل يعقل أن يحرم الجيش من تلك الامتيازات، وتعود إلى الشعب خيراته وحقوقه و... باسم الثورة؟

الخلاصة التي لا غبار عليها أنه بعيدا عن المنطق والدين والقانون، وعملا بقولة ميكافيلي: "الغاية تبرر الوسيلة"، سعى السيسي، بكل الوسائل القانونية وغير القانونية الأخلاقية وغير الأخلاقية، ومن دون فلاتره المزعومة الصدق والأمانة، و"دَا يرضي رَبنا وَلَا لَأ"، مستخدما المكر والخداع والكذب والتلفيق والقتل والاعتقال والإعلام والتحالف مع قومٍ، التقت مصالحهم على التخلص من الرئيس الشرعي، ولكل منهم حاجة في نفسه.
ما يثير الاشمئزاز في القصة المصرية ليس الانقلاب، في حد ذاته، بل إجهاض تجربة ديمقراطية عربية لم تكمل عامها الأول، وربما كانت ستتقدم بالبلاد، لأننا لا نستطيع تقييم حكومة لم تكمل مدتها القانونية بعد. ثانياً الطريقة التي يتحدث بها الفريق السيسي للشعب، عن تعيين رئيس مؤقت، ريثما مرت مسرحية انتخابه، وحديثه، في القمة العربية، عن الشرعية وعن الديمقراطية التي أتت على ظهر دبابة.
وأخيراً أتساءل: كيف سيكون شعور القادة العرب، لو تكاتفت جهود القوى السياسية والمدنية المصرية، بمختلف أطيافها وأزاحت الانقلاب، وتمت محاكمة السيسي بتهمة قتل مدنيين أبرياء؟

13A7D85F-A336-4E2A-9594-0D759F5F666F
13A7D85F-A336-4E2A-9594-0D759F5F666F
المغرب
المغرب
المغرب