إصرار على الكراهية

إصرار على الكراهية

01 ابريل 2015
+ الخط -
لم تعد السلطة فى مصر مشغولة سوى بالإعلان عن مشاريع وهمية، فوق طاقة الدولة والنظام، عرفت فى الأوساط الشعبية بالفنكوش، نسبة إلى فيلم شهير قام ببطولته عادل إمام، وتحدثت قصته عن مشروع وهمي، أثار اهتمام الرأي العام، ثم ثبت عدم قيمته، بالإضافة إلى الانتقام مرة وأخرى وثالثة من جماعة الإخوان المسلمين ومنتسبيها، إلى درجة أصبحت تسبب الملل لأي من متابعي أخبار المحروسة، التى تتضاءل، يوماً فيوماً، بفعل نظام وحشي، سطا عليها في غفلة من الزمن.

لم تعد مصر إلا نموذجا للانتقام والكراهية، زرعها النظام الحاكم تجاه الثوار الرافضين للحكم العسكري، المطالبين بالحرية والديمقراطية، ولم يعد الحديث فيها وسط مستنقع الفشل الكبير سوى الانتقام اليومي من الإخوان وأنصارهم.
قرار النائب العام المصري باعتبار ستة من قياديي جماعة الإخوان المسلمين إرهابيين، هو قرار تحصيل حاصل، لا يعلم سبب حدوثه، ولا إلى أي قانون تم الاستناد فيه، إذ تم الحكم على معظم قادة الجماعة المشمولين بالقرار بالإعدام مرات، وبالمؤبد كذلك، وجميعهم متهمون فى قضايا لا حصر لها، يعلم القاصي والداني أن لا علاقة لهم بها.
شمل القرار المرشد محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر والقادة الآخرين، وهم سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب المنتخب، وعصام العريان ومحمد البلتاجي، بالإضافة إلى مرشد الجماعة السابق، محمد مهدي عاكف. يبدو أنه تناسى أن هؤلاء القادة جميعاً في سجون النظام العسكري منذ نحو عامين، ولا علاقة ولا تأثير لهم على الواقع الثوري خارج سجون النظام. إذ تعتقد سلطة القتل والكراهية فى مصر أن التنكيل النفسي والمعنوي المتتالي بسبب وبدون، بمنطق وبدون، سيؤدي إلى خفوت نار الثورة، وإلى تغيير المشهد على أرض الواقع، وفى ذلك محاولة من هذا النظام للهرب من فشل مستمر ومتلاحق على الأصعدة كافة، اعتقادا منه أن مثل هذه الإجراءات الانتقامية ستكون سببا فى تغيير المشهد.
طوال عام وتسعة أشهر، والمصريون صامدون فى الشوارع والميادين، لم يهدأوا ولم يكلوا، على الرغم من وقوع انتهاكات مروعة بحق الانسان تجاههم، شملت كل الفظائع التى يمكن أن يرتكبها انسان بحق آخر، بدءاً من عمليات القتل والحرق الجماعي، مرورا بالقتل فى المنازل والمظاهرات، وأحكام إعدام بالجملة دخلت حيز التنفيذ، وعمليات مصادرة أموال وقوانين لا تمت للحضارة البشرية بصلة. وعلى الرغم من ذلك كله، لا زالوا كما هم، فتيات وسيدات، شباباً ورجالاً، وحتى أطفالاً يرفضون هذا النظام، ويرفضون اختطاف الوطن.
ولا يوجد فى مصر نموذج للكراهية ووحشية السلطة كنموذج محمد البلتاجي وأسرته الصابرة، إذ تقول التقارير إن وحشية السلطة وتنكيلها بأسرة المناضل الذي فقد ابنته وزهرة حياته الشهيدة أسماء فى مذبحة رابعة الوحشية، هو عملية انتقام من ضيقي الأفق وكارهي الحق القابعين فى مقاعد السلطة، فالرجل المعتقل والمحكوم عليه بعدة أحكام أعدام ومؤبد، في قضايا عدة، لديه ولد محبوس، وآخر أجبر على الفرار خارج مصر، وقضي على زوجته وابن ثالث، لم يتخط 12 عاما بالحبس ستة أشهر، بزعم اعتدائهم على قوات أمن في أثناء زيارة والدهم فى معتقله.
النظام المصري الذي لم يعد له وزن فى محيطه الإقليمي، تفرغ لملاحقة الإخوان فى الداخل وإصدار مئات الأحكام عليهم، وسن بدل القانون عشرة، في محاولات شتي، لإشغال المجتمع عن فشلٍ يجر البلاد من سيئ إلى أسوأ. فمؤتمر شرم الشيخ للمانحين الذي عقد قبل أيام، واستغله النظام إعلامياً، وكأنه سينقل حال البائسين الفقراء من "العشش" إلى حياة الرفه والقصور في العاصمة الجديدة، لم يعد مادة نافعة للحديث عنها ليلاً على منصات القتل والكراهية المسماة شاشات تلفزة. لا بد من مادة جديدة تأخذ الرأي العام المنشغل والمتشوق لرؤية العاصمة الجديدة التي قيل أنها ستتم بعد مدة كفيلة بأن ينفض الجمهور سريعا عنها، ويطالب بمادة أخرى ينشغل بها، ولا يوجد حاليا أفضل من تسويق الكراهية لجماعة الإخوان.
في هذا القطر المنكوب، لا توجد أي أصوات للعقل والحكمة تنادي بضرورة إيجاد حل سياسي، أو محاسبة مجتمعية أو قصاص من القتلة قد يدفع إلى التهدئة، ما سيجعل المعادلة الصفرية بين شعب ثائر يسعى إلى انتشال وطن من الانهيار ونظام وحشي، تطول مؤقتاً، حتى تتغير إحدى معادلات المشهد.

D0014942-4C8E-4480-8BCE-3609F1487805
D0014942-4C8E-4480-8BCE-3609F1487805
أحمد القاعود (مصر)
أحمد القاعود (مصر)