قبطان الإرهاب

قبطان الإرهاب

29 مارس 2015
+ الخط -
 الذين دعوا العالم وزعماءه إلى الاحتشاد في باريس، تنديداً بمجزرة شارلي إيبدو، مطلع العام الجاري، اجتمعوا قبل يومين ووقفوا على أطلال حطام معدني وبشري، في مشهد سوريالي يجسد أقصى حدود القبح، حتى لتجعلنا الصدمة عاجزين عن سرد المشاعر التي تقطعها وتقاطعها الغصات والذهول وحالة اللاتصديق، وصولاً إلى تكذيب الواقع.
إلا أنه وقع فعلاً، وبعد استيعاب الصدمة الأولى، لم يشر الرئيس الفرنسي هولاند والمستشارة الألمانية ميركل، وزعماء أوروبا، ولو تلميحاً، إلى إمكانية أن يكون حادث تحطم الطائرة الألمانية فوق جبال الألب الفرنسية، عملاً إرهابياً، وبعد الحصول على صندوق الأسرار، الصندوق الأسود للطائرة، وتحليل بياناته، أصدرت الجهات المختصة تقريرها، القائل بفرضية أن مساعد الطيار، الألماني أندرياس لوبيتز، قد تعمد إسقاط الطائرة.
ولوبيتز، القبطان الإرهابي الذي قرر "بكبسة زر" إنهاء حياة 150 إنساناً، كان أمامه خيارات كثيرة للموت، وحيداً، إلا أنه اختار أن يقتل أكبر عدد ممكن من الناس، ما يجعل الحادثة تدخل عالم الإرهاب من أوسع وأبشع أبوابه، إلا أن فرنسا التي جمعت العالم على إدانة الإرهاب منذ ثلاثة أشهر، ربما لم تجد الآن اسماً أو نسباً يناسب الاحتفال، فلا محمد ولا عبد الله ولا مهاجرون ولا ملوَّنون. "فقبطان الإرهاب" شاب ألماني صريح، لا يخالط عرقه عرق مهاجر، ولا جبهته فيها أثر للسجود.

تفاصيل الحادثة تشي بأن لوبيتز إرهابي غير عادي، يجب أن يُدان أكثر، وأن يُتهمَّ أكثر، فهذا القبطان خائن لأمانته، خان الأرواح التي سلمت له مصائرها، في فضاء لا يمسكه إلا الله، وخائن لعمله، إضافة إلى رغبةٍ وحشية في القتل، قتلِ أكبر عدد ممكن من الأبرياء، كما أنه يحمل عقلية إرهابية فائقة التطور، فكم من محاولات اختطاف للطائرات باءت بالفشل، بعد جهود وترتيبات هائلة، إلا أن هذا الإرهابي اختطف الطائرة بسلاح خيانة الأمانة، لا غير، ومع هذا كله ربما لن يحمل لوبيتز لقب "الإرهابي".

فالتوصيف في هذه الحالة مقتصر على "لجنة تحكيم"، كلها من ملّته، لا تدين إلا الآخر، الآخر القادم من جنوب الأرض، حيث الإسلام والهمجية والتخلف، أما الطلاب الذين يطلقون النار على معلميهم وزملائهم في الفصول الدراسية في مدارس أميركا وأوروبا، والمتطرفون اليمينيون الذين ينفذون "أوامر الرب" فيقتلون العشرات، كما فعل النرويجي، أندريس بريفيك، قبل أربع سنوات، حين قتل 65 شخصاً من بلده، فهؤلاء غالباً مضطربون، ومرضى نفسيون، مساكين، يجب أن ننظر إليهم بعين الشفقة، بل ونتمنى لهم الشفاء!

وبالفعل، أوحت "لجنة التحكيم" إلى التقنيّين، لإعداد سجل طبي - نفسيّ للقبطان، وبدأت شركته بالتسويق والتشويق، قبل العرض الذي سيكون دراماتيكياً، يميل، في نهاياته، إلى بكائيات السينما الشرقية، ليخطف دمعة وجعٍ على القاتل الضحية، ضحية مجتمعه وحبيبته التي أدمت قلبه، وظلت لأيام لا ترد على رسائل الواتس أب.
في عام 2012، تعرضتُ لحادث طائرة فوق مطار الكويت، كان الطقس العاصف السبب. هوت الطائرة بشدة، وقبل الهلاك بأمتار، استطاع الطيار التحليق مجدداً، لم يكن أوروبياً، أذكر اسمه تماماً، كان مصرياً، واسمه محمد إمام، وليس مريضاً نفسياً. وربما أجد الآن مناسبة، لأقول له: شكراً.. شكراً محمد.  

avata
avata
ياسر الأطرش (سورية)
ياسر الأطرش (سورية)