فصائل المقاومة وسؤال أميركا

فصائل المقاومة وسؤال أميركا

29 مارس 2015

فلسطينيون يواجهون قوات الاحتلال قرب رام الله (27 فبراير/2015/Getty)

+ الخط -

بات واضحاً، اليوم، أن مساحة المناورة التي نشطت فيها فصائل المقاومة الفلسطينية، في السنوات الأخيرة، بين إيران ومحورها من جهة والدول العربية من جهة أخرى، تضيق وتضيق حتى تكاد تنغلق. فخلال سنوات ما بعد الانتفاضة الثانية، عمل محددان على تحديد علاقة فصائل المقاومة بداعميها، أولهما الدعم الأقل كلفة سياسية، وثانيهما الاتساق النسبي في المواقف السياسية من القضايا المتعلقة بفلسطين بين الداعم والمدعوم، ولو على مستوى إعلامي. والثابت أيضا أن الدعم ظل مزدوجاً، ويحاول كسب المحورين، تحديداً في شقه السياسي.

ما يحصل اليوم يثبت أن الهوامش تضيق، وأن حيز المناورة شبه منعدم، ولا يتصل الأمر، بالدرجة الأولى، بالصدام العسكري والسياسي بين المحاور، والذي يجعل من المناورة مرفوضة تماما من الخصمين، أو يفرض على فصائل المقاومة اتخاذ موقف واضح من الصدام، يودي بعلاقتها مع المحور المقابل، والحالة السورية لا تزال الأكثر وضوحا.

ما يحدث اليوم هو أن المحاور نفسها غادرت مواقعها، وما تواجهه فصائل اليوم هو واقع ما بعد الربيع العربي، ممثلا بالصراع الطائفي والثورة المضادة، وما بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، الذي يبدو ناجزاً، والتعاون العسكري الأميركي الإيراني ضد داعش. هذا يعني أن حالة الصدام الإيراني السعودي يواكبها تنافس على العلاقة مع الولايات المتحدة، وتتأكد حقيقتها كصراع نفوذ، ليس قصير الأجل. ومن البديهي القول إن توقيع تفاهم نووي تاريخي مع أميركا والمجتمع الدولي، والتنسيق العسكري معها في العراق، أوزن بكثير جدا في عالم السياسة من شعارات الشوارع والإعلام الداعية لموت أميركا.

"ماذا يمكنك أن تفعل، وجميع حلفائك المفترضين أو الممكنين يخطبون ودّ أميركا؟" يبدو هذا السؤال هو ما انشغلت به فصائل المقاومة فترات طويلة، وفي أحيان كثيرة، بدت منها علامات اتساق مع السلوك العام، وحاولت تقديم إشارات عديدة عن أهليتها للتقارب، على قاعدة حل نهائي يضمن دولة في الأراضي الفلسطينية التي احتلت في 1967، لكن المضي في هذا المسار حتى منتهاه لا يعني إلا تكرار تجربة فتح وقيادتها منظمة التحرير. أما رفضه جملة وتفصيلا، أو حتى جزئيا، يعني حصارا آخذا بالضيق أكثر فأكثر على غزة بكل ما تحويه وتمثله، وعلى قيادات فصائل المقاومة في الخارج، حتى الذين تبدو عليهم علامات الاطمئنان داخل محاورهم.

على مستوى التحركات السياسية المؤقتة والمرحلية، تعيش حماس في غزة في حالة متابعة حثيثة لأي متغير في المنطقة يمكن أن يسهم في تخفيف وطأة الحصار الإسرائيلي المصري الأميركي عليها (أميركا هي من تمنع تحويل الأموال إلى غزة وتهدد أي بنوك تستقبلها). ولذلك، يكثر الصخب الإعلامي حول انتهاء قطيعة مع السعودية، يعقبها ضغط على مصر لفتح المعابر، ويتردد، بصلة واضحة، حديث عن هدنة طويلة وصفقة سياسية. ولكن، ليس هذا برنامجا سياسيا واضحاً، وكثرة متغيراته تجعله قابلاً للنقض خلال أسابيع. وتقول التجربة إن أنماط المناورات السياسية الحمساوية في غزة، وضمن هذه الأطر، ضيقة، وقد تبدو هزلية في بعض المواقف، مثل مظاهرات داعش في القطاع، تخويفا منها أو تهديدا بها.

يمكن القول إن لحظات اضطراب كالتي نعيشها في السنوات الماضية، وتحديدا في هذه المرحلة، ليست الفترة الأنسب لنقاش برنامج سياسي، أو وضعه وإشهاره. ولكن، لا بد من القول إن ترك الأمور تمضي إلى مستويات أعقد من التضييق والحصار وانعدام الخيارات قد تسفر عن برنامج أو سلوك سياسي بسقوف أدنى بكثير من المتوفرة حاليا. وفي ظل استفادة أطراف أخرى من حالة الجمود القائمة، داخليا وخارجيا. إسرائيل وقيادة السلطة مثلا. فأبو مازن يتم ثمانين عاماً، ويبدو قادرا على المتابعة من دون ضغوط حقيقية عليه، وعلى قيادته، ربما لأن إجابته عن سؤال العلاقة مع الولايات المتحدة واضحة.

2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين