نجاح سيريزا مثالاً لنا

نجاح سيريزا مثالاً لنا

27 مارس 2015

أنصار لحزب سيريزا يحتفلون في أثينا بفوزه (25 يناير/2015/الأناضول)

+ الخط -
هل يمكن أن نعتبر نجاح حزب سيريزا في اليونان الذي عبّر عن انتصار اليسار عبر الانتخابات في اليونان مثالاً لما يمكن أن يحدث في البلدان العربية، خصوصاً التي شهدت ثورات، وسارت في "المسار الديمقراطي"؟
ما يطرح هذا السؤال شعور قطاع من اليسار بأن ما حدث في اليونان يمكن أن يحدث في بلداننا، وهنا خصوصاً تونس، وربما مصر، فلقد شهدت اليونان انتفاضة كبيرة سنة 2010، قبيل الثورات في البلدان العربية، ولكن، نجح اليمين في الوصول إلى السلطة، في لحظة باتت تعاني اليونان من حالة الإفلاس، نتيجة العجز عن سداد الديون للبنوك الدولية، الأمر الذي فرض الموافقة على الاستدانة من جديد لمواجهة ذلك، لكن مع فرض الدائنين (صندوق النقد الدولي وبنوك فرنسية وألمانية) شروطاً تقتضي التزام الحكومة اليونانية بسياسة تقشف شديدة القسوة. سياسة فرضت التحرك الشعبي من جديد، والذي تصاعد إلى أن فرض الذهاب إلى انتخابات مبكرة، جاءت بحزب تشكّل من مجموعات وكتل ونقابات ترفض التقشف، وناضلت من أجل تحسين الأجور. بمعنى أن انتصار اليسار هذا كان التعبير عن رفض الشعب سياسة التقشف، بعد أن عانى من تراجع وضعه الاقتصادي في السنوات السابقة، بفعل تضخم الأسعار من دون ارتفاع الأجور.
هل سيفي حزب سيريزا بوعوده؟ ربما. ولكن، ربما، أيضاً، لا، حيث إنه لم يطرح بديلاً من النمط الاقتصادي الذي فرض مراكمة المديونية، وما زال يناور للتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أنه يمكن أن يتفكك في اللحظة التي لا يفي بوعوده، وربما يتشكّل من أطراف فيها حزب "اشتراكي ديمقراطي"، بديلاً من الحزب القديم، لكنه لا يختلف سوى جزئي عنه. ولهذا، يمكن القول، إن التجربة تمثّل محاولة لبلورة بديل يساري، يقطع مع اليسار القديم، لكنها محاولة لم تُنضِج بديلاً فعلياً يحقق الانتقال باليونان إلى نمط اقتصادي آخر، يقطع مع الدائنين، ومع الرأسمالية بدل المساومة معها.
تتمثل المشكلة عندنا في أنه لا يوجد نظام ديمقراطي راسخ، أولاً، ولم تكن المسألة تتعلق بتراجع الوضع المعيشي لقطاع كبير من الشعب، نتيجة التقشف، بل كانت في أن قطاعاً كبيراً من الشعب يعيش فعلياً في وضع اقتصادي مزرٍ، وهو لا يثق في الدولة، وبكل آلياتها، ويريد سلطةً، تحمل الحل السريع لمشكلاته. لهذا، وجدنا المشاركة في الانتخابات ضعيفة، وهي تتراجع كذلك، وأن النظم لا تميل إلى حلحلة الأوضاع الاقتصادية، بما يحقق بعض مطالب الشعب. وبالتالي، أن المشاركة في الانتخابات ضعيفة، خصوصاً في قطاع الشباب الذي يشكّل النسبة الأعلى في المجتمع، وفي البطالة والفقر. وهو ما يشير إلى أن هذا القطاع لا يثق في أن طريق الانتخابات يمكن أن توصل إلى حل يحقق مطالبه في العمل والأجر الذي يسمح بالعيش. وفي المقابل، تميل الفئات المصوتة إلى انتخاب الزعامات التقليدية، أو الأحزاب التي لا تحمل حلاً للمشكلات المجتمعية. وهي فئاتٌ، في غالبها، من كبار السن، و"حزب الكنبة"، كما يسمى قطاع مجتمعي لم يشارك في الثورة.
هذه الوضعية تعني أن الشباب الذي يعطي اليسار لا يراهن على انتصار اليسار، خصوصاً وهو يرى أنه لا يحمل حلاً لمشكلاته. فليس هناك حزب أو تجمع يساري طرح بديلاً، يتضمن حلاً لها. الأمر هنا لا يتعلق بالرفض، كما في اليونان، بل في الحل الذي يحقق المطالب. وحتى هذا لا يبدو للشباب المنخرط في الثورة أنه يوصل إلى تغيير يحقق المطالب، حيث تظلّ عدم الثقة بالسلطة (المشرفة على الانتخابات) معدومة، بعد تجارب طويلة.
بالتالي، ليس من مقارنة بين تجربة سيريزا وما يمكن أن يحدث في أي بلد عربي.