الأردن والعقد العربي

الأردن والعقد العربي

16 مارس 2015

محمد جواد ظريف وناصر جودة في عمان (14يناير/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

قام وزير الخارجية الأردنية، ناصر جودة، بزيارة إلى طهران، كانت مفاجئة للمراقبين، وقابل نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، والرئيس حسن روحاني. وذكرت الأنباء أنه طالب إيران، إلى أمور أخرى، بإجراء "حوار مع جامعة الدول العربية". وقال روحاني للوزير جودة إنه يطالب العرب "بتعاون مشترك لمحاربة الإرهاب"، ما يعني أن الرئيس الإيراني يرفض فكرة إجراء حوار مع العرب في الوقت الراهن، لكون بلاده منتصرة في كل الجبهات، من بغداد وحتى صنعاء، مرورا ببغداد ودمشق وبيروت.

(2)

في تقدير الكاتب أن توقيت الزيارة لطهران لم يكن موفقاً، سيفسرها الإيرانيون بأنها زيارة الضعيف للقوي، خصوصاً أن قوات المليشيات الطائفية الإيرانية العراقية اللبنانية تحيط بالأردن من الشرق والشمال، إلى جانب ما يعتور حركة الإخوان المسلمين من انقسامات، وغير ذلك من قضايا الأردن المهمة. وجاءت الزيارة في وقت ترمي فيه إيران بكل ثقلها العسكري للهيمنة على اليمن، واندفاع الحرس الثوري وفيلق القدس بكل أنواع الأسلحة إلى الأراضي العراقية، تحت شعار محاربة الإرهاب، وتحديداً محاربة "الدولة الإسلامية" (داعش).

جاءت زيارة وزير الخارجية الأردني طهران، بعد حراك مشرقي سريع الخطى، الملك عبدالله الثاني في الرياض ومنها إلى القاهرة، المشير عبدالفتاح السيسي في زيارة خاطفة للرياض، يعقبها زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زيارة وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، واجتماعه بوزراء مجلس التعاون الخليجي في الرياض. هل نفهم من هذا الحراك أن واشنطن قالت لحلفائها العرب "شوفوا شغلكم مع إيران، أنا اتفقت معها على كل القضايا التي تخص أميركا والغرب، ومن أهمها المشروع النووي"؟. وهل نفهم أن الأردن كُلّف بأن يكون "مراسلاً" بين القادة العرب الذين قابلهم والقيادات الإيرانية، أو أنه يمهد لعلاقات متميزة مع طهران، بعد أن كاد اليأس من العون العربي قد حط رحاله وأثقاله على الصعيد الأردني؟ قد يقول في عمّان قائل "إن إيران ستكون منشغلة بعمل "بزنس" مع الغرب، إن وصلت إلى اتفاق مع مجموعة (5+1)، وليس بفتح جبهات أو معارك أو تخصيب التربة "لتصدير الثورات"، أياً كانت ألوانها أو مسمياتها، وهذه فرصة لإحداث نقلة نوعية في العلاقة بين الأردن وإيران". هذا القول مردود على صاحبه، الكاتب والمعلق السياسي عريب الرنتاوي. صحيح أن الدولة الإيرانية، ومعها البازار، سينشغلون
بعمل "البزنس" مع شركات غربية وأميركية، لكن الحرس الثوري والقوات المسلحة والمليشيات ستتفرغ لعملية التوسع في كل اتجاه، بغية تحقيق الإمبراطورية الفارسية التي تحدث عنها، قبل أيام، علي يونسي، مستشار الرئيس حسن روحاني، لأنه سيتوفر لها المال والصمت الغربي عن كل ما تفعل. قال يونسي أمام منتدى الهوية الإيرانية "كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية، وسندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءاً من إيران، وسنقف في وجه العثمانيين الجدد (يعني تركيا) والوهابيين (السعودية) والغرب والصهيونية"، على حد تعبيره. وقال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني "إيران اليوم على ضفاف البحر الأبيض المتوسط وباب المندب".

(3)

نستنتج من هذه التصريحات أن إيران ترفض الدخول في حوار مع "بيت العرب"، وهي تعلم أن الدعوة جاءت من الوزير جودة، وهو رئيس الدورة الحالية للمجلس الوزاري العربي، ويعلم الفرس أن تلك الدعوة لم تكن عفوية، أو هكذا يعتقدون، وفي يقيني أن هذه كبوة فارس أردني، ما كنت أتمناها لمهندس الدبلوماسية الأردنية، ناصر جوده.

(4)

الأردن حمّال المآسي العربية من دون التفاتة عربية صادقة نحوه، إنه يستضيف على أرضه أكثر من مليون وربع المليون لاجئ سوري، وكل من تحل به كارثة في وطنه يجد الأردن ملاذه. لو فكر العرب، الأغنياء منهم ومتوسطو الحال، أن الأردن شحيح المياه، وخصوصاً مياه الشرب، وعليه أن يسقي أكثر من مليون ونصف المليون إنسان، فكم سيتكلف هذا البلد العربي إلى جانب تكاليف حفظ الأمن في مخيمات اللجوء، وتدبير وسائل المعيشة الكريمة بأسعار مرضية، وتوفير الوقود والعلاج الطبي، وما في حكم ذلك من مطالب للإنسان. والحق أن الأردن لم يبخل على أهل الخليج العربي، حتى بدماء أبنائه، ومعظم دول الخليج روي صعيدها من دماء الشهداء الأردنيين دفاعاً عن أمنها، وكان جديدها في مملكة البحرين.

وضع الأردن على حدوده مئات من رجال الأمن لمحاربة مهربي المخدرات والسلاح وعصابات التخريب إلى دول الخليج. ماذا جنى في مقابل ما قدم، سوى الحد من انسياب العمالة الأردنية الماهرة إلى دول مجلس التعاون، والوعود بتدفق الاستثمارات وتقديم المعونات من دون تنفيذ.

وكانت إيران قد قدمت عرضاً سخياً للأردن، هو إمداده بالنفط ثلاثين عاماً، على أن يسدد الأردن تكاليف النفط المستورد من إيران بمنتجات أردنية، وأن يفتح مجالاً للسياحة الدينية لزيارة مراقد آل البيت في الأردن، والمقدسة لدى الشيعة، وإلى جانب مساعدات أخرى. لكن، الأردن العربي الهاشمي يأبى ذلك، تضامناً مع إخوانه العرب. واليوم، هناك شعور في الأردن بأن معظم قادة الخليج العربي أشاحوا بوجوههم عنه، فماذا على الأردن أن يفعل؟ كأني بهم يرددون قول الشاعر العربي:

إذا لم يكن إلا الأسنة مركب/فما حيلة المضطر إلا ركوبها

آخر القول: اجعلوا الأردن الدولة العربية الأولى بالرعاية، قبل أن ينفرط العقد، ونكون على ذلك من النادمين.

EC78868B-7E9C-4679-9EB1-42A585C1A75D
محمد صالح المسفر

كاتب وباحث من قطر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، له عدة بحوث ومقالات وكتب.