حين يرشح الحريري فرنجية لرئاسة لبنان

حين يرشح الحريري فرنجية لرئاسة لبنان

01 ديسمبر 2015

مفاجأة سعد الحريري: فرنجية مرشحاً للرئاسة

+ الخط -
لا يزال الرأي العام اللبناني مصاباً بالذهول من مفاجأة سعد الحريري، ترشيح أشد خصومه، سليمان فرنجية (50 عاماً) لرئاسة الجمهورية. الأول هو رئيس الحكومة السابق وأحد أهم قياديي حركة 14 آذار التي خاضت معركة إخراج الجيش السوري من لبنان، إثر اغتيال والد سعد الحريري رئيس الحكومة الأسبق، رفيق الحريري، في 14 فبراير/ شباط 2005، واتُهم نظام بشار الأسد بالوقوف وراء اغتياله. والثاني أحد أركان لقاء 8 آذار الذي يتزعمه حزب الله، والذي يدين بالولاء للنظام السوري، والمنخرط في "محور الممانعة" الذي تتزعمه إيران؛ وهو، أي فرنجية، يجاهر ويعتز بأنه صديق عائلي وشخصي لآل الأسد، وكان وزيراً للداخلية يوم جريمة الاغتيال، وتردد أنه أوعز، يومها، للأجهزة الأمنية بالعبث بمسرح الجريمة، وهو معروف أيضا بمعارضته الشرسة للحريري الابن.
كيف حصل هذا التحول، وهل يمكن أن تنجح هذه الخطوة التي كان لها وقع الصاعقة على الوسط السياسي، وأحدثت شرخاً وتصدعات في المعسكرين، لدى الحلفاء والخصوم معاً؟
منذ انتهاء ولاية ميشال سليمان في رئاسة الجمهورية، في 25 مايو/أيار 2014، ولبنان يعيش أزمة فراغ في موقع الرئاسة، وبالتالي أزمة حكم. ولم تتمكن الأطراف المتصارعة من التوصل إلى أية تسوية حول اسم الرئيس الجديد، ولا إلى صيغة تؤدي إلى انتشال مؤسسات الدولة من التعطيل والشلل، كما هو حاصل للحكومة ولمجلس النواب. وطوال هذه الفترة، يصر فريق 8 آذار على فرض قائد الجيش السابق وزعيم التيار الوطني الحر، ميشال عون، رئيسا للجمهورية، على الرغم من عدم حيازته الأكثرية المطلوبة في مجلس النواب للفوز. ولذلك، يعطل هذا الفريق الذي يضم في صفوفه فرنجية، منذ سنة ونصف السنة، جلسات الانتخاب، بتهريب النصاب منعاً لوصول أي رئيس غير عون. ولم يعلن فرنجية عن نيته الترشح للرئاسة (وهو حفيد رئيس سابق)، وكان يؤكد باستمرار التزامه ودعمه ترشيح زعيم التيار العوني.
ولاحقا، أبدى زعيم "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، استعداده لسحب ترشيحه، إفساحاً في المجال للتوافق على مرشح توافقي، لا ينتمي إلى أي من الفريقين، إلا أن ميشال عون اعتبر نفسه المرشح التوافقي. واستمرت الأمور تراوح مكانها وتتعقد، على وقع التطورات السورية والإقليمية، ما أدى، أيضاً، إلى تعطيل عمل الحكومة، وصولاً إلى فضيحة العجز عن رفع النفايات من الطرقات، وانفجار الشارع بوجه الطبقة السياسية بمجملها، واتهامها بالفساد وعقد الصفقات.

وإذ بالحريري، المقيم في السعودية منذ أكثر من أربع سنوات، وصاحب أكبر كتلة نيابية في البرلمان، يفاجئ اللبنانيين بلقاء فرنجية في باريس، وتتسّرب معلومات عن التفاهم على دعم ترشيحه للرئاسة. فقامت القيامة، وخصوصاً في صفوف قوى "14 آذار" التي أصيب بعضها بالصدمة، إلى درجة أن وجوهاً ومسؤولين في تيار الحريري نفسه (المستقبل) أعلن رفضه انتخاب "زلمة بشار الأسد" رئيساً للبنان، مثل وزير العدل، أشرف ريفي، والنائب والوزير السابق وعضو المكتب السياسي في "المستقبل"، أحمد فتفت. والاثنان من محافظة الشمال مثل فرنجية نفسه. فيما كان الإحراج والصمت سيدي الموقف لدى حلفاء فرنجية، وخصوصاً حزب الله الذي تربطه به علاقة وثيقة، لكنه ملتزم علناً بدعم عون، وليس في وسعه التخلي عنه، لأن الأخير وقف إلى جانبه، وأمن له تغطية استثنائية في الشارع المسيحي، في أصعب الظروف، خلال حرب تموز 200. والتزم عون نفسه الصمت من دون أن يخفي بعض نوابه امتعاضهم الشديد من خطوة الحريري الذي سبق أن التقى عون سراً قبل نحو سنتين في روما، ووعده، بحسب تأكيدهم، بدعمه للرئاسة، ثم أخلّ بوعده. وحده نبيه بري، رئيس المجلس النيابي وركن من أركان 8 آذار، يبدو مرتاحا ضمنياً لخطوة الحريري، وربما على علم بها، فهو لا ينسجم إطلاقا مع عون. وبغض النظر عما ستؤول إليه خطوة الحريري، فإنها دقت إسفينا بين قوى "8 آذار"، وخصوصاً بين عون وفرنجية، كما يتوجس حزب الله، ناهيك عن أن معلومات تفيد بأن وليد جنبلاط صاحب هذه الفكرة.
الوجه الآخر للخطوة، ما أحدثته من حساسيات على صعيد القوى السياسية المسيحية، المعنية مباشرة بموضوع رئاسة الجمهورية، والتي تعتبر أن لها الأولوية في مسألة الترشيح والاختيار. طبعاً، ليست هذه القوى والأحزاب متحالفةً، ولا تجمعها خيارات واحدة، لا بل على العكس. فحزبا "القوات اللبنانية" و"الكتائب" هما الطرفان الأساسيان في قوى "14 آذار" إلى جانب الحريري وبعض المستقلين (المسيحيين أيضا). يقابلهما التيار العوني وتيار "المردة" (فرنجية) الملتقيان في فريق "8 آذار"، إلى جانب حزب الله وحركة أمل التي يتزعمها بري. وعلى الرغم من أن التنافس على أشده بين هذه القوى المسيحية، وتحديداً بين عون وجعجع، إلا أنهم، وبرعاية رأس الكنيسة المارونية، البطريرك بشارة الراعي، توصلوا إلى اتفاق، نصّبوا، من خلاله، أنفسهم الزعماء المسيحيين الأربعة "الأقوياء" الذين يجب أن ينتخب من بينهم رئيس الجمهورية. وها هو الحريري يختار فرنجية واحداً من هؤلاء الأربعة، ويضعهم في حيرة من أمرهم، وفي حالة تنافس في ما بينهم، إذ إن ما يجمعهم ويفرقهم في آن أن كل واحد منهم يريد أن يصبح رئيساً، وقد وافقوا على الصيغة التي جمعهم تحت مظلتها البطريرك الماروني، لقناعتهم الضمنية بأنه لن يتمكن أي منهم من الوصول، إلا أنهم، في الوقت عينه، يعتبرون أنهم هم من يجب أن يقرر اسم الرئيس، أو يكون له الدور الحاسم في عملية الاختيار، لا أن يوضعوا أمام الأمر الواقع، أو يتم فرضه عليهم من طرف آخر، حتى وإن كان هذا الطرف حليفاً. لذلك، قد يلجأ ربما الطرفان الأقوى بينهم، أي "القوات" والعونيون، إلى اللعب على الحساسية الطائفية، برفع شعار "رفض تسمية طرف مسلم رئيس الجمهورية المسيحي".
أما لماذا قام الحريري بهذه الخطوة، وما دوافعه، ومن نصحه بأن يسعى إلى الإتيان بالحليف اللصيق ببشار الأسد، ألد أعدائه والمتهم بجريمة قتل والده، والذي ما زال على رأس النظام في سورية، فهل أصبح لبنان جزيرة معزولة عما يجري من حوله، أم أن الحريري حصل على ضمانات بأن رحيل الأسد بات مؤكداً وقريباً. وهل السعودية، التي تشترط وتصر ضمن أي تسوية على رحيل الأسد، على علم بخطوة زعيم "تيار المستقبل". وهل هناك مؤشرات إيجابية من إيران، وموافقة أو تغطية أميركية وفرنسية لذلك؟ وإذا كانت تسوية الأزمة السورية لا تزال في بدايتها، فلماذا الاستعجال والتضحية برئاسة الجمهورية في لبنان، أم إن الحريري يبحث عن مخرج بأي ثمن، لأن شعبيته آخذة بالتآكل، وظروفه السياسية والاقتصادية لم تعد تحتمل الإقامة بعيداً عن لبنان؟

5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.