بلاد الشام والقوى الصاعدة

بلاد الشام والقوى الصاعدة

01 ديسمبر 2015
+ الخط -
بعد سيطرتها على القرارات الدّولية، وبعد إحكام سطوتها على مجلس الأمن والجمعيّة العامّة للأمم المتحدة بشكلٍ شبه كامل، وبعد احتكارها اقتصاد السّوق والإنتاج الزّراعي والتّطور الصّناعي، وبعد سنّها مواربة قواعد علم اجتماع جديدة وضخّها كميات ثقافية جاهزة وصالحة للإستعمالات الخارجيّة، وبعد إقرارها سياسات تلقين تربويّة وإثبات قدرتها على التحكم بالتداولات المالية وأسعار الفائدة، ها هي اليوم تتوّج نفسّها صاحبة سلطة مهيمنة مطلقة كونيّة، يدين لها العالم ويطيعها، وإنْ بطرقٍ مختلفة، ويُتعامل معها على أساس أنّها ربّة هذا العالم، خصوصاً وأنّها احتكرت الإجابة عن الكيفيّة والكميّة والماهيّة المعرفيّة. وعليه، لا يسعنا إلّا الاعتراف، عن رضا أو دونه، بأنّ أميركا هي العالم الصغير، والعالم هو أميركا كبيرة.
بلاد ما بين البحر والصّحراء، بلاد الشّام أو سورية، كما أطلق عليها سابقاً لها دوماً نصيب من استراتيجية القوّة الصّاعدة تماماً كما كان لكلّ القوى التي سبقتها في هذا العالم، وشكّلت، في حينها، حضارات كالمصريين والآشوريين والبابليين والروم والإغريق، فها هي الولايات المتّحدة حاكمة العالم الجديد، تحذو حذوها، وتعتبرها كما كان لغيرها، وبالنّظر إلى جغرافيتها بلاد ربط وممر تقبع بنتيجة التكوين بين قارات العالم الثّلاث القديم.
بلاد السّاحل الفينيقي وفلسطين، وضمناً يقع فيها لبنان، لم تنعم بالاستقرار، ولن تنعم، وأجزم أنّها لن تحظى بفرصةِ الفوز به في الغد، وإن حاول كثيرون ذلك، أو ادعوا سيطرتهم أو سطوتهم على قرارها، هي حالة من الفوضى تستولد ذاتها، أبناؤها تجّار اعتادوا المراوغة والمداهنة، معروفون بدهائهم وقدرتهم على التكيّف مع الظّروف المعاكسة، وسطاء اختاروا الشّخصانية وتأليه الفرديّة، يفضّلون جني الرّبح على المدى القصير أكثر منه على المدى الطّويل.
بلاد القبائليّة والعشائريّة العائليّة تآخت مع الأديان في محاولة ناجحة للسّيطرة على العقول المتخيّلة لساكنيها، حيناً بالخوارق والمتخيّلات والأساطير، وأحياناً بالمنتظريّة سواء العيسويّة أو المهديّة وبعضهم بلهفة ينتظر السُّفيانية.
وحدها الحرب بين الروم والفرس أعادت الاعتبار إلى البادية الشّامية التي استرجعت مكانتها السّياسية والاقتصادية ودورها وسيطاً طبيعياً، سلبت منه قدراته لاحقاُ من الدّولة العثمانية والبلاد الإيرانية، وكانت بارزة فيها أيضا أطماع الدّول الصّحراوية.





avata
avata
كرم محمد السكافي (لبنان)
كرم محمد السكافي (لبنان)