أوروبا وجيش اللاجئين

أوروبا وجيش اللاجئين

24 نوفمبر 2015
+ الخط -
قد تستغربون العنوان للوهلة الأولى، وربما تعتقدونه مزحة، لكنه ليس كذلك، إنه اقتراح صادر عن مسؤول أوروبي رفيع المستوى هو وزير خارجية حكومة بولندا، فيتولد فاشيكوفسكي، في تصريح أدلى به لقناة "تي في بي إنفو" التلفزيونية الحكومية، حيث قال بالحرف: "إن مئات آلاف اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا يمكنهم أن يشكلوا بمساعدة من الأوروبيين جيشاً ليعودوا إلى بلدهم ويقاتلوا في سبيل تحريره...عشرات آلاف الشبان يقفزون من قواربهم المطاطية، وبأيديهم أجهزة آي باد، وعوضا عن أن يطلبوا الماء أو الطعام أول ما يطلبونه هو مكان لشحن هواتفهم النقالة. يمكن لهؤلاء أن يذهبوا للقتال في سبيل تحرير بلدهم، بمساعدة منا"، مؤكدا على أن هذا الحل يوفر على الأوروبيين سيناريو "نرسل فيه جنودنا للقتال في سورية، بينما يرتشف مئات آلاف السوريين القهوة" في مقاهي المدن الأوروبية.
ليس حديث المسؤول البولندي التهكمي هذا مزحة، بل هو انعكاس لسياسة الحكومة البولندية التي رفضت حتى استقبال حصتها المقدرة بتسعة آلاف لاجئ، حسب التوزيع الذي أقرته دول الإتحاد الأوروبي، في محاولة منها لتخفيف العبء عن ألمانيا التي استقبلت العدد الأكبر من اللاجئين والمهجرين.
في دراسة علمية، أجراها موقع "إنسايدر مونكي" قبل أشهر حول التعصب الأوروبي ضد المسلمين، خلص إلى قائمة من عشرة دول اعتبرها الأكثر تعصبا وكرها للمسلمين، وقد يستغرب المتابع عدم وجود دولة، مثل بولندا، ضمن هذه القائمة، بالنظر إلى مشاعر البولنديين المناهضة للعرب والمسلمين، والذي يلخص عدم قبوله للاجئين بمسألة عدم قدرته على تحمل تبعات الإنفاق عليهم، وهو ما يمكن تفهمه.
قائمة الأكثر تعصبا وكرها للمسلمين ضمت ثمانية دول أوروبية غربية وواحدة إسكندنافية، بالإضافة إلى دولتين أوروبيتين شرقيتين، روسيا وأوكرانيا. وكانت الدراسة مضوعية كونها بنت نتائجها على عدة أمور، منها القوانين التي تسنها هذه الدول، بالإضافة إلى استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز الأبحاث والمؤسسات الإعلامية.
تربعت فرنسا على عرش القائمة في المركز الأول من خلال قوانينها المعادية للإسلام، تلتها الدانمارك وهولندا، بسبب الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، لتحل إيطاليا في المركز الرابع، بسبب قانون منع بناء المساجد، تلتها روسيا في المركز الخامس، بسبب كراهية المجتمع الروسي المسلمين، وللسبب نفسه، جاءت كل من بريطانيا وألمانيا في المركزين السادس والسابع، في حين جاءت إسبانيا في المركز الثامن، بسبب عدائها التاريخي للإسلام، وبلجيكا في المركز التاسع بسبب تساهل حكوماتها مع المظاهرات المناهضة للمسلمين، رغم أن قوانينها تحرّم ذلك، أما أوكرانيا فجاءت في المركز العاشر والأخير بسبب وجود حركات متطرفة كحركة "بيغيدا" التي تكن العداء للمسلمين.
هناك دول أخرى تعتبر من الدول المناهضة للإسلام، ولم يرد اسمها في التقرير لسبب أو آخر، فسويسرا مثلا التي حظرت المآذن والحجاب، والمجر ومقدونيا واليونان، وغيرها من الدول التي بات العداء للإسلام القاسم المشترك بين شرائح كبيرة من مجتمعاتها بما فيها النخب الحاكمة والأحزاب السياسية.
بالعودة إلى تصريح وزير الخارجية البولندي الساخر من اللاجئين، فالاقتراح يطرح جملة أسئلة مهمة، ليس آخرها الجهة التي سيتوجب على جيشٍ كهذا أن يقاتلها، والتي، وبكل تأكيد، لن تكون نظام الأسد إذ سيطلب منهم أن يقاتلوا كل من يقف في وجه الحل السياسي الذي يحاولون فرضه علينا.
الاقتراح غير عملي، لأن المهاجرين بالأساس رفضوا القتال في سورية، وتركوا الجمل بما حمل، حالمين بالأمن ورغد العيش الذي قد تمنحه لهم إقامة دائمة أو جنسية في إحدى دول القارة العجوز، كما أن التكلفة العالية التي سيحتاجها تدريب وتسليح جيش كهذا سبب آخر يجعل من هذا الاقتراح غير ممكن.
أخلاقيا وقانونيا، لا يمكن لأي دولة لجوء إجبار اللاجئين والمهجرين على العودة إلى مناطق الصراع المسلح، وزجهم فيه.
ويعتبر التصريح سقطة أخلاقية لهذا الوزير، وهي تعبير عن المشاعر الحقيقية للحكومات، وحتى الشعوب الأوروبية، فوزير الخارجية البولندي باح بما في صدور الآخرين الذين منعهم النفاق الدبلوماسي والسياسي من البوح بما باح به ليس إلا.
62DB24F5-C4D7-48B2-80AC-DE1B48B4B829
62DB24F5-C4D7-48B2-80AC-DE1B48B4B829
خليل المقداد (سورية)
خليل المقداد (سورية)