جائزة غونكور/ "خيار الشرق"

جائزة غونكور/ "خيار الشرق"

03 نوفمبر 2015

أعضاء أكاديمية غونكور في مرسيليا (13 أكتوبر/1980/Getty)

+ الخط -

للعام الثاني على التوالي، ترأستُ، كروائية، لجنة التحكيم الطلابية المؤلفة من طلاب جامعات عربية عديدة، يتابعون دراستهم في الأدب الفرنسي، (ومنها جامعات إيرانية اشتركت هذا العام)، والتي تمنح "جائزة لائحة غونكور/خيار الشرق" لإحدى الروايات التي وصلت إلى التصفية الثانية ضمن قائمة جائزة غونكور الفرنسية المعروفة. و"خيار الشرق" جائزة فرنكوفونية إقليمية تحظى، منذ تأسيسها، بدعم أكاديمية غونكور، وقد تأسّست بمبادرة من المعهد الفرنسي في لبنان، والمكتب الإقليمي للوكالة الجامعية الفرنكوفونية – الشرق الأوسط.

والجائزة هذه التي تؤدي إلى ترجمة الرواية الفائزة إلى العربية تشكّل إحدى أهم لحظات معرض بيروت للكتاب الفرنكفوني (23 أكتوبر/ تشرين الأول - 1 نوفمبر/ تشرين الثاني)، وقد بلغت اليوم عامها الرابع، وسبق أن مُنحت لكل من ماتياس إينار عن روايته "شارع اللصوص"، وسورج شالاندون عن "الحائط الرابع"، وكامل داود عن "ميرسو... تحقيق مضاد"، وقد حازتها أخيراً نتالي أزولاي عن "لم يكن تيتوس يحب بيرينيس"، الرواية التي وصلت إلى مرحلة التصفيات النهائية لجائزة "غونكور" (الجائزة الأم) التي ستعلن نتيجتها اليوم.

تحكي رواية أزولاي قصة حب عصرية ما بين تيتوس، الرجل المتزوّج الذي يرفض ترك زوجته وأولاده من أجل عشيقته، وبيرينيس التي ستصاب باليأس، وتشعر بالغيرة والإهانة من سلوك عشيقها. وتتبع الرواية أثار جان راسين، الكاتب الفرنسي الذي عاش في القرن السابع عشر، وكتب مسرحيات تناولت كلها موضوعة العشق وعذاباته، ومنها مسرحية "بيرينيس"، مستعيرة أسماء أبطالها من التاريخ، إذ كان تيتوس إمبراطور روما في القرن الأول بعد المسيح، وكانت بيرينيس ملكة فلسطين التي سقطت تحت سيطرة الرومان آنذاك، فتحابّا ثم افترقا، لأن الشعب كان ضد ارتباط الإمبراطور الروماني بسيدة غريبة من أصول "شرقية".

وفي جلسات النقاش المغلقة التي سبقت إعلان جائزة غونكور/ خيار الشرق، كان لافتاً عمق الملاحظات التي سجّلها الطلاب المشاركون في لجنة التحكيم، على الأعمال الأدبية المرشّحة، فقد ذكروا أن "الشرق" هو الثيمة المسيطرة على أربعة من أصل الأعمال الثمانية المرشحة. ودافعوا عن خياراتهم، إذ قرروا استبعاد كل ما يمت بصلة إلى موضوعة الحرب والإسلام، وما يروّج في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعية، مؤثرين الأدب الذي اتخذ الأدب موضوعاً له، فنالت الرواية الفائزة عشرة أصوات، مقابل سبعة أصوات لماتياس إينار عن "البوصلة"، وستة أصوات لبوعلام صنصال عن "2084".

قد يأخذ بعضهم على هذه الجائزة ما ترمي إليه بحسب تصريحات منظميها، أي "ترويج الأدب الفرنكوفوني المعاصر في صفوف الطلاب، عبر تشجيعهم على التمتع بالحسّ النقدي وممارسته من خلال القراءة والنقاشات وصياغة النشرات الأدبية التي توضع في مدونة على شبكة الإنترنت"، إلا أن من يرى الجدّية التي يتعاطى معها طلاب ينتمون إلى 19 بلداً من ضمنها فلسطين، جيبوتي، مصر، الأردن، الإمارات، إيران، ولبنان، مع الكتب التي تؤمنها الوكالة لهم، والحماسَ الذي يحدوهم، وعمقَ تحليلاتهم، ومستوى الأوراق النقدية التي يعدّونها، لا بد أن يحيي هذه المبادرة، وأن يتأسف ربما، لعدم وجود مثيل لها في بلداننا. فلست أعرف بوجود مقابل عربيّ لمثل هذه المبادرات المنتشرة في كل أنحاء المعمورة، حيث هناك جوائز أدبية "موازية"، يمنحها الطلاب، والقراء، وأصحاب المكتبات، والنقاد، إلخ، وتضاهي في أهميتها أحياناً الجوائز المكرّسة، حين تُبرز ما في الأعمال التي تختارها من مزايا قد تهملها لجان التحكيم "الرسمية" لمراعاة اعتبارات معينة (دور النشر، الرأي العام، موقف سياسي، السائد والرائج في الميديا، إلخ).

"خيار الشرق" يمنح شبابنا وطلابنا "صوتاً" يفتقدونه، ربما لأن مفهوم الشباب في عرف ثقافتنا ما فتئ رديفاً للجهل وقلة الخبرة، فيما هو في العالم المتقدّم شرط للبراعة والتجدّد والإبداع.

لذا، هنيئاً للمنظمين مبادرتهم، وهنيئاً للطلاب مشاركتهم، علّ "خيار الشرق" يتحدث مستقبلاً لغتهم أيضاً.

 

 

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"