سفيتلانا ألكسيفيتش... السورية

سفيتلانا ألكسيفيتش... السورية

16 أكتوبر 2015

سمر يزبك.. "أصوات متعددة عن الألم والشجاعة" أيضاً

+ الخط -

تذهب البيلاروسية، سفيتلانا ألكسيفيتش، صحافيةً، إلى ناسٍ كثيرين من شهود المأساة أو الجائحة التي تكتب عنها. تجمع ما يروونه لها، وتدوّنه بأمانةٍ ولغةٍ حارّة، وتقيم بناء سردياً يلملم كولاجاً مفتوحاً، فلا يكون النص روايةً بالمعنى المعهود لهذا النوع الأدبي، ولا تقريراً أو تحقيقاً صحافياً، بل اجتماعاً للأدب بالصحافة، يحضر فيه الواقع، كما هو، ولكنْ بكتابةٍ رائقة، مشحونة بتعبير حيٍّ عن الجوانيّ، وعن الظاهر الصريح. هذا ما أنتجته هذه الكاتبة، في العموم، في كتبها، عندما انشغلت بأوجاع ناس بلادها السوفيات، ومنهم نساء وأمهات، وجنود وضحايا، وأفراد متعبون. يحكون، فيصيرون أبطال نصوصٍ تتحقق فيها شروط الكتابة الأنيقة، أنجزتها سفيتلانا ألكسيفيتش، بحسٍّ إنساني خاص. ولأنها فعلت ذلك، أعطتها، الأكاديمية السويدية، الأسبوع الماضي، جائزة نوبل للآداب، تكريماً لكتابتها "نوعاً جديداً من الأدب"، ولتصويرها "أصواتاً متعددة، شواهد على الألم والشجاعة".

ليس ثمّة بين ظهرانينا، نحن العرب، أكثر من الحروب والفجائع والآلام والجوائح والنكبات. هل من كتّاب عربٍ انصرفوا إلى هذا اللون من الكتابة، فأبدعت نصوصهم في الذي رأته الأكاديمية السويدية في أعمال ألكسيفيتش؟ جوابي إن كتاباً صحافيين عرباً، قليلين جداً إلى حد الندرة، أنجزوا نصوصاً من هذا القبيل، تميّز قليلٌ منها، غير أنه في الوسع الجهر، باطمئنان كبير، بأن الروائية السورية، سمر يزبك، نجحت كثيراً في كتابة عملين سرديين، يحققان، بالضبط، ما وقعت عليه لجنة "نوبل" لدى ألكسيفيتش، حيث "الأصوات المتعددة الشاهدة على الألم والشجاعة" هي ما نطالعها ناطقةً في كتابي يزبك "تقاطع نيران" (2012)، و"بوابات أرض العدم" (2015). هما نصان مفتوحان، ليسا روايتين، فيما الكاتبة روائية. في الكتاب الثاني الذي صدر، أخيراً، بالإنجليزية بعنوان ".. قلب سورية المحطم"، ثمّة مونتاج توثيقي، مضفّر بسرد الكاتبة عن نفسها، وهي بين السوريين الذين تُنصت إليهم في مدن وأرياف وقرى في الشمال، لمّا دخلت إليها، من الحدود التركية، وجالت هناك، وكتبت بحذاقة، وصاغت ما يمكن أن تعدّه تحقيقا صحافياً ممتازاً، كما رأى زميل، وفي وسعك أن تراه من ذلك النوع الجديد من الأدب الذي عاينته الأكاديمية السويدية في صنيع سفيتلانا. أما الكتاب الأول، والذي نقل إلى الألمانية والإنجليزية والإيطالية، وفاز بجائزة هارولد بنتر، فقد اشتمل على ما عاينته سمر يزبك في الشهور الأربعة الأولى للثورة السورية، في بانياس ودمشق وحمص وحماة وغيرها، واجتمعت فيه شهاداتُ ناس متنوعي المشاغل، بينهم ناشطون وأطباء وعسكريون نظاميون. ويسّر الكتاب اللافت سرديةً مشحونة بحرارةٍ ضافية، عن تفاصيل، لا تضيء فقط على سفالات النظام الغاشم وفظاعاته، بل أيضاً على أشواق شاسعة لدى السوريين في التحرّر من الاستبداد والتوحش.

يُطلق ضابط في الجيش السوري النار على جسده ليصير غير قادر على تنفيذ أوامر بالقتل. تقرأ عنه في "تقاطع نيران"، وتقرأ عن غيره، وعن سمر يزبك نفسها التي يستهجن عسكري في مقرٍّ أمني تعاطفها مع الثوار، وهي العلوية. تضطر إلى إخفاء هذا الأمر في تجوالها في شمال سورية، عند إنجاز كتابها الثاني، بسبب تفشّي الطائفية والداعشية. يأتي الكتاب على هذا كله، وعلى ما ينطق به ناسٌ مقيمون وسط محدلة التمويت السورية الراهنة. يتوالى سردهم وسردٌ عنهم، من دون تسلسل، وتوضح سمر يزبك أنها لا تجيد السرد المتسلسل، فتكسر الزمن، كما تفعل سفيتلانا ألكسيفيتش، على ما صرنا نعرف. ثمّة زمنٌ وحيد هنا، هو زمن تحطم سورية وتذرّرها. هناك أم تروي عن خطف ابنها من حضنها ثم قتله، ثم مقتل ابنها الثاني، وقتال ابنها الثالث مع الثوار، وعن إعدام تسعةٍ من أبناء بلدتها، سراقب، أمام عينيها. وهناك موتٌ لا بطل غيرُه في الجحيم السوري، ولا قصص يرويها الناس سوى عنه، بحسب سفيتلانا ألكسيفيتش السورية، سمر يزبك.

 

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.