"أنا أكره العرب"

"أنا أكره العرب"

13 أكتوبر 2015
+ الخط -

لست أدري كيف اجتمعت الحادثتان لديّ، وإن كانتا من كوكبين متباعدين. الأولى حصلت لمصطفى، وهو مستخدم من أصل مغاربي، يعمل في شركة نقليات برية يملكها فرنسي. والثانية وقعت لعامل مصري، يدعى خالد السيد، ويعمل في مطعم في العقبة، جنوب الأردن.

مصطفى الذي يتعرّض للاضطهاد باستمرار، قرر، ذات يوم، أن يردّ على رب عمله، وهو في إحدى فورات غضبه، حيث صوّره بكاميرا هاتفه الذكي، وسرّب الفيديو إلى القناة الفرنسية الثانية التي تولّت عنه الأمر، وعرضته ضمن تحقيق واسع (برنامج "تحقيق إضافي")  بعنوان "المحرّمات في عالم العمل في فرنسا"، تضمن ريبورتاجات عدة، كان من بينها: "رب عملي يفضّل البيض"، "رب عمل لموظفه: أنا أكره العرب"، "سوق العمل: المسلمون يعانون من التمييز العنصري في فرنسا". واستندت التحقيقات الميدانية هذه إلى دراسة موسعة، أجراها معهد مونتانيو في عام كامل، وأشرك فيها نحو ستة آلاف مؤسسة فرنسية، فأظهرت أنه من الصعب على المسلمين إيجاد وظيفة أكثر من سواهم بأربع مرات، وأن أوساط العمل في فرنسا أكثر عنصرية تجاه المسلمين، مما هي الولايات المتحدة الأميركية حيال مواطنيها السود، بست مرات.  

وبالعودة إلى مصطفى الذي أخطأ في ملء خزان شاحنته بما يكفي من المياه، فقد صوّر سرّاً رب عمله صارخاً فيه: " أغلق فمك... أنا منذ أن ذُبح رب عمل، قد فاض بي. أتفهم ذلك... حتى أني أرغب في التقاط عربي وأذبحه... حظك جيد مصطفى، أنا لا أحب العرب. أنا لا أحب العرب، لذا فحذارِ".

في الحادثة الثانية التي وقعت لخالد السيد، المصري العامل في مطعم في العقبة، كان ثمة "قبضايات"، اتهموا خالد أنه قصّر في تلبية طلبهم، فانهالوا عليه ضرباً. ثم اتضح أن "القبضايات" أخوا نائب في البرلمان الأردني كان حاضراً، ومرافقوه. نال خالد الصفعات ولم يأت برد فعل، وحين تراجع، تبعه مهاجموه واجتمعوا عليه وضربوه، وهو لا يقول شيئاً. ولأن المظلوم مصريّ، احتد المصريون، شعروا بالإهانة، واتهموا دولتهم بالتقصير، واعتبروا أنفسهم موضوعاً للإساءة في أي مكان في العالم، لأنهم، كما عبّروا، مهانون في الأصل في وطنهم. واحتدّ الأردنيون واعترضوا، ثم حاول النائب أن يوضح ويبرّر، فكان أن ذكر الرجولة والشهامة، مدعّما أقواله بكونه قد "دعوَس" أخويه ومرافقيه، فور خروجهم من المطعم، وأعاد خالد إلى عمله بعد طرده.

لم يعتذر النائب، ولم يقل أحد إن الضرب ممنوع، إن تعدّي كائن على كائن آخر، وحتى على حيوان، أمر لا تجيزه القوانين، وتعاقب عليه. كلهم ذكروا الجنسيات، ولم يذكروا حقوق الإنسان وحقوق العامل وحقوق الموظف. الحقوق والواجبات، هذه لغةٌ لا نجيدها، لأننا لم نتعلّمها. النائب نفسه، ممثل مجلس الشعب، استخدم عباراتٍ تردّنا إلى قاموس جاهلي، إذ كرّر، في أكثر من موضع، كلماتٍ كالرجولة والشهامة والمصالحة، وسواها مما يفضح تخلّفنا. لم يقل هذا خرق للقانون، وتعدّ على حقوق، وسيعاقب الفاعلون.

هذه ليست حالة أردنية، هي حالة عربية بامتياز، قد تقع الحادثة في أي بلد عربي، والعامل المعتدى عليه قد يكون من أي جنسية عربية أخرى، ولن يختلف الوضع.

أما مصطفى، فلديه، اليوم، محام يدافع عنه. مُنح إجازة مرضية، لأن أعصابه متعبة، والقانون يجيز له. رب عمله لم يطرده من عمله، لأنه لا يحق له. رب عمله يكره العرب وهو مذعور، وقد هدد بذبح عربيّ، في إشارة منه إلى ياسين صالحي الذي قطع رأس رب عمله الفرنسي، وأرسل صورة "سيلفي" بقربه، عبر "واتساب"، إلى جهادي في داعش. ربّ عمله يكره العرب، صحيح، لكن القانون يعاقب الكره، وسوف يحاكمه على عنفه اللفظي بغرامةٍ قد تبلغ 45 ألف يورو وعقوبة بالسجن لثلاث سنوات.

أما خالد، فثلاث نقاط ...

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"