تونس... قصة مدينتين

تونس... قصة مدينتين

27 يناير 2015
+ الخط -

تقع مدينتا سيدي بوزيد والقصرين في الوسط الغربي للجمهورية التونسية، وتجمع بينهما نقاط تشابه عديدة ومتنوعة، منها حدودهما الجغرافية المتاخمة لحدود الجارة الجزائر، وعدد سكانهما وأصولهم. كما تعتمد المدينتان، في اقتصادهما، على النشاط الفلاحي. أما عن "معالمهما"، إن جاز التعبير، فقد ارتبط اسماهما بمحميتين طبيعيتين، كانتا إلى عهد قريب "المعرف الوحيد" لكليهما: محمية "جبل بوهدمة" في ولاية سيدي بوزيد، ومحمية "جبل الشعانبي" في القصرين.
للمدينتين قصتان متشابهتان إلى حد كبير. أولاهما بدأت منذ أربع سنوات عندما فشل نظام الرئيس الهارب، بن علي، في وأد الثورة التونسية في المهد رغم شراسة آلته القمعية. صمد أهالي سيدي بوزيد، وسطروا أحد أهم الملاحم في تاريخ تونس الحديث.
عشرة أيام كانت المدة الزمنية الفاصلة بين بداية المواجهات في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 وتوسعها لتشمل مدينة تالة، التابعة إداريا لمحافظة القصرين. عشرة أيام توافدت، في أثنائها، على مدينة سيدي بوزيد أفواج من مختلف التشكيلات الأمنية والمخبرين والمبعوثين الرسميين والمتطوعين، كما كتبت تقارير محلية ووطنية. سخرت الدولة كل إمكاناتها، التي كانت محدودة، عندما كان أبناء الجهة يطالبون بالتنمية، وبذلت مجهودا جباراً يذكر فيشكر، وكان محل تندر من رجالات الثورة.
تفصل بين المدينتين مسافة تقدر بحوالى ستين ميلاً. ومع ذلك، سارعت مدينة القصرين إلى تخفيض الضغط على جارتها، حيث انتقلت المواجهات إلى مدينة تالة، التابعة إداريا لمحافظة القصرين، وسقط العدد الأكبر من شهداء ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010. عندئذ، بدأ إعلامنا "المستقل" يتساءل: "ما الذي يحدث في سيدي بوزيد؟" (أول عنوان في إحدى صحفنا "المستقلة") بعد عشرة أيام. كان سؤالاً من دون جواب، وهو أمر بديهي، فالإجابة لا تكتب بالحبر، بل بسوائل أخرى. غيّر النظام خططه، لكن وعورة تضاريس القصرين، التي لم تشملها برامجه التنموية من قبل، بالإضافة إلى صمود سكانها، حالت دونه، ودون إيقاف المد الثوري.
عادت المدينتان التوأمان بشكل مختلف عن أشكال التوأمة بين المدن التونسية الأخرى، التي طالما تفاخر بها نظام المخلوع، إلى صدارة الأحداث في تونس، خلال الآونة الأخيرة. ولكن، لسبب آخر هذه المرة. فقد أصبحت المدينتان مسرحاً لمختلف أنواع الجرائم "الإرهابية" و"التهريبية"، وتحولت قراهما إلى مسرح لمعارك لا نرى من الشهود عليها، إلا النصف السفلي لأجسامهم، كما أصبح لمختلف وسائل الإعلام مراسلون، بعد أن كانت زياراتهم تلك المناطق تتم مرة كل خمس سنوات، لتصوير خلوة انتخابات "شفافة". ولولا الثورة، لما عادوا إليها "مدى الحياة".
"قصة مدينتين" عنوان رواية تاريخية لتشارلز ديكنز، تدور أحداثها في لندن وباريس، إبان الثورة الفرنسية. وإذا كانت لندن وباريس، وما زالتا، أهم عاصمتين أوروبيتين، فإن مدينتي سيدي بوزيد والقصرين دخلتا التاريخ من أوسع أبوابه، على الرغم من كل محاولات التشويه. إن الثورة في أرجائهما كالنقش في الحجر، قد تغيب ملامحه، لسبب او لآخر، بعض الوقت، لكنه لا يمحى.

avata
avata
يوسف بوقرة (تونس)
يوسف بوقرة (تونس)