مسلمو فرنسا والانتخابات

مسلمو فرنسا والانتخابات

20 ابريل 2014

الرئيس الفرنسي يزور مسجد باريس الكبير فبراير 2014 (أ.ف.ب)

+ الخط -
انتصر اليمين التقليدي، كما المتطرف، في الانتخابات المحلية الفرنسية التي أجريت أخيراً. وكان هذا التقدّم متوقعاً لأسباب عدة، أهمها ضبابية اشتراكية اليسار، الذي غازل يميناً من دون تبني ليبرالية اليمين، وتحرّش يساراً من دون أن يُطبّق أيّاً من مبادئ اليسار.
عاقب، إذن، الناخبون سياسةً محليةً، غير واضحة المعالم من جهة، وانتخبوا برامج محليّة، بعيداً عن الشعارات السياسية والإيديولوجية، من جهة أخرى. وغالباً، كان اقتراعهم متعلقاً بالسعي إلى تحسين معيشتهم اليومية، على مستوى الأحياء، والقرى والمدن والأقاليم. وقد وضح التزام أعضاء أحزاب اليمين، بمختلف أنواعها في الاقتراع، وتوافدهم، بأعداد لا بأس بها، إلى المراكز الانتخابية. وفي المقابل، برز استنكاف أصحاب اليسار من الناخبين، لثقة زائدة بالنتائج، أو لإحباطٍ متنامٍ يعتريهم حول ما يقدّمه اليسار في الحكم بدائل مشجعة. ولعبت حكايات الفساد، في بعض الإدارات المحلية اشتراكية الهوى، دورها الفعّال في حجب الاهتمام لدى فئة واسعة من ناخبي اليسار.
إلى زمن قريب، كان الفرنسيون يتحاشون الإشارة إلى الانتماء الديني، أو الأصل الجغرافي، في قراءاتهم واستنتاجاتهم الانتخابية. ويعتبرون التطرّق إلى هذا العامل خطيئةً لا تغتفر، في الحديث عن الميول السياسية عموماً. ولكن المحرّمات بدأت في التهاوي، في هذه الحقبة المتشنجّة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. وبدا أَن النفاق الذي كان مناسباً للملاحظين السياسيين تلاشى. ما أدّى إلى ظهور قراءات متعددة وصريحة، كما هو معمول به بشكل واضح، وبعيداً عن الإحراج في الثقافة الأنكلوساكسونية، حول توجهات أصوات المكونات الدينية والعرقية المختلفة في هذه الانتخابات. وخرجت هذه التحليلات إلى العلن الإعلامي، بعدما كانت محصورةً في العمل البحثي عموماً.

من متابعة استطلاعات الرأي حسب الانتماء، أو حسب الأحياء التي يغلب على ساكنيها دينٌ معيّن، أو أصل جغرافي محدد، فوجئ المراقبون بأن مواطنين فرنسيين كثيرين من أصل عربي، أو مسلم، أدلوا بأصواتهم عموماً لمرشحي اليمين التقليدي، وفي حالات أقل انتشاراً لليمين المتطرّف. وبعدما كانت هذه الكتلة غير المتجانسة تميل يساراً في سنوات سابقة، فإنها أضحت يمينية التصويت، من دون أن يترجم هذا قناعة إيديولوجية، أو انتماءً سياسياً محدداً. فما هو سرّهم؟
بالإضافة إلى عزوف جزء لا يستهان به من هذه المجموعة عن الاقتراع، لأسباب عدة، أهمها ضعف الثقافة السياسية والابتعاد عضوياً عن المجال العام، من المؤكّد أن التصويت يساراً لدى من يمارس حقّه الانتخابي من هذه الفئة من السكان كان مرتبطاً، في الماضي القريب، بثلاثة عوامل أساسية: الأول هو الموقف الاقتصادي لأحزاب اليسار، والذي يدعم دور الدولة الرعائي والمؤمّن لحماية أصحاب الدخول الضعيفة، أو المتوسطة. والمهاجرون العرب والمسلمون ينتمون، غالباً، إلى هذه الشريحة الاقتصادية. أما العامل الثاني، فيتعلّق بالموقف اليساري المنفتح، ولو نظرياً، على مسائل الهجرة والاندماج ومحاربة العنصرية، والذي يقابله موقف عدائي، ومتحسّب، من الهجرة لدى اليمين بأشكاله المتنوعة. يُضاف إلى ذلك كله، العامل الثالث الذي ميّز نظرياً سياسات اليسار العالم ثالثية، وخطابها المنفتح على قضايا الشعوب العربية، على الرغم من القرب الأيديولوجي العميق من مؤسسي الدولة الإسرائيلية.
تعرّضت هذه "الأساطير" الثلاثة، إذن، إلى التخلخل، عبر تبني البرامج الاقتصادية للحزب الاشتراكي مواقف أكثر ليبرالية، وفقدان دور الدولة الرعائي. كما الخضوع لسياسات الاتحاد الأوروبي الانفتاحية لمصلحة أصحاب الأموال والأعمال، وسياسات الأسواق الحرة وتخفيف الحمائية لحقوق العمّال. ومن جهة أخرى، تبدّى أن سياسة الاشتراكيين، فيما يتعلق في مسألة الهجرة والاندماج، لا تختلف كثيراً عن نظيرتها اليمينية، إلا في لغة الخطاب. بل إن الحكومات الاشتراكية تجرّأت، أحياناً، على اتخاذ إجراءات أكثر تشدداً مما كان اليمين نفسه لا يجرؤ على تبنّيه، في مسألة الهجرة تحديداً. وأخيراً، ظهر أن تبني قضايا العالم الثالث لا يعدو كونه جزءاً من فولكلور دوغمائي، لا يؤثّر على السياسة الخارجية المتماثلة بين جميع الأحزاب، والتي تضع مصلحة الدولة الفرنسية نصب أعينها، بمعزل عن الاختلافات الأيديولوجية.
أما المعنيون بهذا الحديث كله، من الفرنسيين من أصول عربية أو مسلمة، فهم أيضاً يعيشون تحوّلاً في نظرتهم السياسية، إن وجدت، بناءً على زيادة الالتزام الديني في أوساطهم، لأسبابٍ يطول شرحها. وهم، بالتالي، يجدون في خطاب اليمين، اجتماعياً على الأقل، ما يدغدغ ميولهم المستجدّة. ويظهر ذلك، بوضوحٍ، مثلاً في ميل مقتدريهم إلى إرسال أولادهم إلى المدارس الخاصة، ذات التقاليد المسيحية، في رفض واضح لمبدأ المدرسة العامة، أو المدرسة "الجمهورية" التي يفتخر المجتمع الفرنسي بأنه رائدٌ فيها. وقد نشط ممثلون عنهم في الحملات الانتخابية لبعض اليمين، من خلال تبني معارضة المشاريع الاجتماعية التي أطلقها اليسار. ويعتبر مشروع "الزواج للجميع" أكثرها مثاراً للجدل. وأخيراً، يُصاب بعض المحللين بالدهشة، حين يرون في أوساط اليمين المتطرف العنصري والمعادي للإسلام بعضاً من هؤلاء العرب والمسلمين. لا يمكن تفسير نزوع بعض "نخبهم" إلى التطرف في يمينيتها، إلا من حيث أنه سعيٌ إلى تطبيق المثل الفرنسي "من يصل أخيراً يُغلق الباب بإحكام".