السياسة الأميركية في سورية

السياسة الأميركية في سورية

20 نوفمبر 2014
+ الخط -
بدت السياسة الأميركية تجاه سورية، في الفترة الأخيرة، مرتبكة، بل متناقضة، حيث راوحت بين اعتبار تنحية الأسد ضرورة للانتصار على داعش وأن للأسد دوراً في العملية السياسية، مروراً بأولوية الصراع ضده، أو أن الأمر لا يزال كما هو، باعتبار أن الأولوية للحرب ضد داعش.
الاهتمام بهذا الأمر مرتبط بفهم ما إذا كان باراك أوباما قد غيّر من سياسته تجاه النظام السوري، وبات معنياً بإسقاطه، أو أن الأمر لا يزال بعيداً عن التفكير الأميركي؟ وربما كان أكثر من اهتم بهذا الأمر بعض أطراف المعارضة التي لا زالت تنتظر، منذ بدء الثورة، هذه الخطوة الأميركية التي تتعلق باعتبار إسقاط النظام هدفاً يحظى بالأولوية.
وعلى الرغم من كل ما قيل عن "التناقض" في التصريحات أخيراً، سواء التي نُقلت عن أوباما نفسه، أو ما أتى عليه وزير الدفاع، أو الملاحظات حول سياسة أوباما تجاه سورية وقالها مسؤولون أميركيون سابقون، فإن "الغوغاء" الإعلامية هي التي حاولت ترويج ذلك، وليس لأن ما قيل يتعلق بارتباك أو تناقض في ما قيل أخيراً. فالسياسة الأميركية تجاه سورية محددة، منذ البدء، انطلاقاً من أن سورية باتت بعيدة عن اهتمام السياسة الأميركية، خصوصاً بعد أن تبلورت الاستراتيجية الجديدة بداية سنة 2012، والتي اعتبرت أن منطقة آسيا والمحيط الهادي هي الأولوية، وأن الخطر المهدِّد لأميركا هو الصين بالتحديد. ولهذا، كان موقف واشنطن باهتاً مما يجري في سورية بعد 15/3/2011، بعكس ما كان تجاه تونس أو مصر. ثم "باعت" سورية لروسيا في سياق الحوار والمساومة بينهما. ولهذا، دفعت لعدم دعم المعارضة بأي شكل، بل كانت تحبط اندفاع حلفائها الذين عملوا من أجل إسقاط النظام (تركيا وقطر وفرنسا تحديداً). وفي كل الأحوال، ما هو محدَّد في سياستها أنه ليس من حل عسكري، بل الحل سياسي، ويقوم على التفاوض بين أطراف متعددة، وهو لا يلحظ بقاء بشار الأسد في الحكم، بل يعتبر أن مبادئ جنيف1 القاعدة لهذا الحل.
لهذا، حين يربط باراك أوباما بين الحرب على داعش وتنحية بشار الأسد لا يقصد العمل العسكري من أجل إسقاط النظام، لا مباشرة ولا بدعم المعارضة المسلحة (يظهر الحديث عن تدريبها نكتة في بلد يعيش حرباً حقيقية منذ أكثر من سنتين)، بل يقصد أن الوصول إلى حل سياسي ربما يجب أن يسبق "الحرب ضد داعش"، من أجل ترتيب مشاركة المعارضة والسلطة المنحّى منها بشار الأسد في هذه الحرب، والتي هي ليست حرباً بالفعل، بل مناورة سياسية من أجل فرض سياسات على دول المنطقة، وخصوصاً إيران التي تريد إدارة أوباما "التحالف" معها. لكن، بعد تقليص شروطها، وتخفيف تمددها في المنطقة. وهذا ما يحدث في العراق، حيث إنها باتت تفرض ما أرادته سنة 2011 قبل أن تقرر الانسحاب، أي قانون يمنع محاسبة جنودها، لكي تفرض وجود ما بين 10 إلى 15 ألف جندي (وهو ما سيحدث قريباً)، وفرض سيطرة الأولى على السلطة في بغداد، من دون تجاهل التأثير الإيراني.
هذا الشكل من "فرض الشروط" في العراق ربما هو المقصود بالكلام عن "أولوية تنحية الأسد"، حيث يجري التفاهم مع إيران على إبعاد بشار الأسد عن السلطة، وترتيب مرحلة انتقالية على أساس جنيف1، وبمشاركة روسية، لأن أميركا لا يبدو أنها تراجعت عن "بيع" سورية لروسيا. بالتالي، تأتي كل تلك التصريحات التي أثارت شهية بعضهم والارتباك لدى آخرين، تأتي في هذا السياق فقط، أي عبر التفاوض مع إيران وروسيا التي يبدو أنها اتفقت مع أميركا على التحضير لجنيف 3، وإنْ بشكل مختلف بعض الشيء.
لا أحد يتوقع أكثر من ذلك.