الأسد عندما يتذاكى

الأسد عندما يتذاكى

28 يناير 2015
+ الخط -

في حديث نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، الإثنين المنصرم؛ قال رئيس النظام السوري، إن ضربات الطيران الإسرائيلي أهدافاً منتقاة في بلاده هي بمثابة تغطية جوية لقوات المعارضة المسلحة، وتساءل بتذاكٍ: من الذي يزعم أن "القاعدة" لا تملك سلاحاً جوياً؟!

ثمّة سؤال تالٍ في الأهمية، على الأول: لماذا، والحال هذه، لا يقارع سلاح الجو السوري ذلك السلاح الذي يغطي، حسب زعمه، عمليات المعارضة؟ أما الأول: من هو الطرف الذي أتاح لمقاتلي السلفية الجهادية انفلاتاً ساحراً، قبل أن ينقلب السحر على الساحر؟!

معلوم أن السلاح الجوي السوري، الذي يُفترض أنه يحمي أجواء البلاد من تعديّات الطيران الإسرائيلي؛ شهد في العامين الأخيرين، تغييراً بنيوياً، فبدل أن يستمر في محاولات اللحاق بسلاح جو العدو، على المستويين، القتالي والتقني، أصبح يركز على محمولاته من القنابل التي يسقطها على الناس، من سماءٍ تخلو له. ولو كان صحيحاً ما يزعمه الأسد عن تغطية إسرائيلية لعمليات المعارضة المسلحة، لكان الأهم والأول، الذي سيفعله الطيران الإسرائيلي، منع الطيران السوري من التحليق، بقنابله وبراميله، لكي يُسقطها على السوريين. وستكون للطرف الإسرائيلي من عمل كهذا سبع فوائد، أعظمها الإجهاز على سلاح استراتيجي، تمتلكه دولة يُفترض أنها تقاوم وتمانع، وأدناها أن يظهر العدو صديقاً حانياً على الشعب السوري، على نحو يمكن أن يغسل قلوب السوريين من آفة الغِل على إسرائيل أم المصائب. لكن اطمئنان الإسرائيليين إلى المقاصد الحقيقية للنظام، وقد اختبروا صدقيتها في 41 عاماً من صمت الجبهة؛ هو الذي يجعل إسرائيل تضحي بالفوائد السبع، وأن تلتزم الحياد الظاهر، وإخلاء الأجواء لحاملات البراميل المتفجرة. أما موسكو التي استنكفت، طويلاً، عن تأهيل سلاح الجو السوري لمواجهة نظيره الإسرائيلي؛ فقد أظهرت سخاءً في تأهيل السلاح الأول للقصف المدمر للمراكز الحضرية، ولنسف البيوت على رؤوس الناس وقتلها. هنا، يُحال الاستنكاف الأول إلى واقع العلاقات الروسية الإسرائيلية المتطورة على كل صعيد، أما السخاء فإنه يُعلل بالمنافع التي تتوخاها موسكو من بقاء نظام الأسد، على الصعيد الاستراتيجي.

كان نظاما سورية والعراق قد أفلتا عناصر السلفية الجهادية من السجون، ورفداها بعناصر أخرى، لخلط الأوراق في معسكر المعارضة، لوصول مكونات هذا المعسكر إلى وضعية الاحتراب المحتمة، بين أطراف في داخله، ذات مشروعات متناقضة. كان مطلوباً الإجهاز على مشروع الثورة، أو انتفاضة الشعب السوري، ذات المضامين الاجتماعية والديموقراطية. ولن يؤدي هذه المهمة سوى الوحش الظلامي الذي لا يقبل صوتاً يخالفه في حرف واحد، ناهيك عن مخالفته منطق السلفية الجهادية، جملة وتفصيلاً. وما لم يتحسب له الطرفان، نوري المالكي آنذاك، وبشار الأسد، لانقلاب المتطرفين عليهما، ربما كانت مقامرةً اضطرارية في لحظاتٍ صعبة، إما تنجح تماماً أو جزئياً. فعندما تم إطلاق سراح عناصر عسكرية خطرة، من سجن أبو غريب، والزعم بأنها هربت منه، وهو السجن الأشهر والأشد تأميناً وحراسة؛ أدرك الجميع أنها عملية إطلاق لوصم الحراك السُني المطالب بالعدالة وبالدولة النزيهة، اللاطائفية التي تكون حكماً بين الناس، بالإرهاب. وظن المالكي أنه، بهذا الفعل الشائن، سيربح تأييد الولايات المتحدة في عملية إجهاض محاولة المحافظات السُنية الحصول على حقها في الشراكة والحكم. في الوقت نفسه، أتاح نظام الأسد لفصائل من المتطرفين هامشاً من العمل الميداني، لتتمكن من التحشيد الشبابي، ومن دحر قوات المعارضة الوطنية المتماهية مع ثورة الشعب السوري!

يقول الأسد للمجلة الأميركية متوجعاً: كل الحروب سيئة، لأنها تنطوي على خسائر ودمار. وكأنه ليس هو الذي جعل النيران، ثم النيران ثم النيران، وسيلة لمواجهة الناس في تظاهراتها وجنائزها ومخابزها ومهاجع نومها. هو لم يكذب في ذمّ الحرب، إنْ كان ما يعنيه بالحرب أن تكون ضد إسرائيل!