كيف يمكن إيقاف عدوى الإرهاب؟

كيف يمكن إيقاف عدوى الإرهاب؟

12 ديسمبر 2014
+ الخط -

في رأي مؤرخين، كان القرن العشرون عصر الاتصالات. يوصف القرن الذي نعيش فيه الآن بعصر المعلومات. أصبحت موجات الإرهاب التي بدأت مع هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وبلغت ذروتها مع  تنظيم الدولة الإسلامية، تسبب القلق على المستوى الدولي.
ارتفعت نسبة الأعمال الإرهابية الدولية بين 1968 وأواخر الثمانينات، ثم بدأت في الانخفاض. ومع ذلك، كان هناك ارتفاع هائل في عدد الذين يموتون في مثل هذه الهجمات. بلغ عدد الذين قُتلوا في حوادث الإرهاب الدولي في عام 1968 نحو 34، وارتفع إلى 3250 في 2001. وقد زاد هذا العدد بشكل كبير اليوم، إذا ما شملنا، أيضاً، أحداث الربيع العربي.
بالنظر إلى هذا الوضع، الإرهاب لم يعد مشكلة أمنية خاصة بمنطقة واحدة، بل أصبح تأثيره مضاعفاً دولياً الآن، وليس إقليمياً فقط. أصبحت أعمال الإرهاب الآن أكثر فتكاً وأكثر انتشاراً. لم تعد أعمال الإرهاب اليوم قضية أمن إقليمية، بل أصبحت الآن مشكلة دولية تؤثر على العالم بأسره.
هناك أعمال كبيرة من الأبحاث حول تأثير الحروب على الاقتصاد والحياة الاجتماعية للدول. ولكن، حتى الآن، لم يكن هناك تركيز يُذكر على تأثير الإرهاب. مع الزيادة في الأعمال الإرهابية، أظهرت الأبحاث أنه، بالإضافة إلى القتلى والأضرار التي لحقت بالمباني وطرق المواصلات، فإن للإرهاب، أيضاً، أضراراً كبيرة وغير مباشرة. وعلاوة على ذلك، كون أعمال الإرهاب تحدث متفرقة، لا يمكن التنبؤ بها، وبالتالي، يكاد يكون من المستحيل اتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد الآثار الاقتصادية.

يمكن للأعمال الإرهابية، الآن، إحداث تأثير فوري على أسواق الأسهم والبنزين، يمكن أن تسبب تغيرات في عادات السفر ومفاهيم الأمن. الإرهاب يحدث ضرراً خطيراً على أداء النظام المالي والاقتصاد الوطني، بسبب التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية. وأيضاً، انخفاض الاستثمار في البلدان التي أصبح فيها الإرهاب مزمناً، وأصبحت السياحة تنذر بالتدهور، وتوقف دخول رأس المال الأجنبي. يمكن للإرهاب حتى أن يؤثر على سلوك المستهلك. أصبح الناس يلجأون إلى تخزين المواد الغذائية، واستهلاك أقل ما يمكن. تباطأت التجارة الخارجية والتصنيع في هذه البلدان. يجري تحويل مبالغ كبيرة من ميزانيات الدولة إلى مكافحة الإرهاب والأمن القومي، الأمر الذي يخلق عجزاً اقتصادياً، ويسبب معاناة المواطنين من ارتفاع تكاليف المعيشة. ولأن الحياة التجارية تدخل في حالة من الركود، فإن الاقتصاد ينكمش وترتفع البطالة.
نظراً للانتشار المتزايد والضرر الذي يسببه، تعطي البلدان أهمية أكثر الآن في مكافحة الإرهاب من قبل. عند وضع استراتيجيات لمكافحة الأعمال الإرهابية التي تنفذها المنظمات الإرهابية، فإن هذه الاستراتيجيات تركز عادة على جاهزية التدخل المسلح.
المنظمات الإرهابية قادرة، بكل بمهارة، على تحويل حتى هذه الهجمات المسلحة ضدها من خلال الدعاية التي تبثها. لديهم المهارات اللازمة لتصوير الهجمات ضدهم دليلاً على طبيعة قضيتهم العادلة. لهذا السبب، هذه المنظمات إما أن تنمو أقوى، أو تستمر أنشطتها في الخفاء تحت الأرض، ما يجعل من محاربتها عسكرياً أقل فعالية.
وعلى النقيض من التكتيكات البسيطة، وغير المكلفة إلى حد ما، التي تستخدمها هذه المنظمات، نجد أن الدول توظف أساليب مكلفة بشكل كبير، وتضع الحلول غير الواقعية والسلاح لمحاربة الإرهاب. على سبيل المثال، يتم اصطياد المتشددين المختبئين في الحقول، أو في الكهوف، من خلال طائرات بدون طيار. ولكن، ليس هناك بحث حقيقي في داخل هذه المنظمات الإرهابية عن الشيء الذي يخشونه عادة. تسعى دول العالم، اليوم، إلى تطوير حلول مادية، لكنها لا تكلف نفسها عناء تحديد الحل الأكثر فعالية للجميع.
تستهدف جميع هذه المنظمات المؤسسات التعليمية. تقوم هذه المنظمات بحرق المدارس، وقتل المدرسين وخطف الطلاب. إجراءات من هذا النوع هي، في الواقع، ترشدنا على أفضل طريقة لمحاربة الإرهابيين. الجماعات الإرهابية هي أكثر خوفاً من المؤسسات التعليمية والمدرسين منها من الشرطة والدولة والجيش، لأن التعليم هو العامل الأساسي الذي يمكنه القضاء على سبب بقاء هذه المنظمات.
التعليم هو، أيضاً، أفضل وسيلة لمحاربة المنظمات التي تسيء استخدام اسم الإسلام. أفضل التدابير التي يمكن اتخاذها ضد منظمات، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، بوكو حرام أو تنظيم القاعدة هي من خلال نفي أيديولوجياتها الملتوية من خلال التعليم. فهذا واجب المسلمين، أولاً وقبل كل شيء، أن يقوموا بهذه المهمة، لأن المسلمين هم أفضل من يستطيع  تفسير أفضل القيم الأخلاقية للإسلام. بدلاً من الشجب وتقديم الاعتراضات الضعيفة، أو الكلام الفارغ، على المسلمين أن يوضحوا لهم بأنه خطيئة جسيمة أن يقتل شخص بريء، وفقاً لتعاليم الإسلام، وأنه وفقا للقرآن، من الضروري للغاية أن نتصرف بالعدل في جميع الأوقات، وينبغي دعوة الناس إلى تبني قيم الإسلام باللطف واللين والمحبة، وليس من خلال القوة الغاشمة والإكراه.
التعبئة التعليمية ضد جميع المنظمات الإرهابية، بغض النظر عن جذورها الأيديولوجية، هي ما نحتاج إليه لمنع الأعمال الإرهابية الآثمة التي نواجهها في جميع أنحاء العالم.

6CDB8DD5-0266-422A-AF0D-1E8B6F808880
6CDB8DD5-0266-422A-AF0D-1E8B6F808880
هارون يحيى (تركيا)
هارون يحيى (تركيا)