يستطيع العرب التأثير في حفلة الجنون الإسرائيلية

يستطيع العرب التأثير في حفلة الجنون الإسرائيلية

20 أكتوبر 2023

(حمزة بونوة)

+ الخط -

استفادت إسرائيل من وضع العالم تحت وقْع صدمة، صنعتها دبلوماسيّتها وإعلامها باقتدار، وجعلت الجزء الأكبر من الرأي العام العالمي ضحية سردية عن موت أطفال واغتصاب نساء وأفعال خارج سياق المنطق الطبيعي، في غياب أي تأثير إعلامي أو دبلوماسي عربي يقدم صورة موضوعية لحقيقة الحدث.

اعتمدت استراتيجية إسرائيل على اقتطاع الحدث من سياقه العام، فكأن المشكلة بدأت يوم هجوم كتائب عز الدين القسام على مستوطنات غلاف غزّة ومعسكراته، أو كأن ما حصل في ذلك اليوم كانت نتيجة صيرورة طويلة من الاعتداء على إسرائيل، وليس سوى نسخة مكبّرة عن أحداث ظلت تحصل على مدى عقود بحق إسرائيل ويهودها.

واضح تماما أن الانسياق الغربي وراء الرواية الإسرائيلية ناتجٌ عن الإرباك الذي أحدثته الحملة الإعلامية التي قامت بها إسرائيل، بمساعدة مراكز الإعلام الكبرى فيي الغرب، التي تسيطر بدرجة كبيرة على الرأي العام الغربي، وتوجيهه باتجاهات معينة، مستفيدة من الضرب على أوتار مخاوفه من التطرّف والإرهاب، ومبرزة إسرائيل، التي كان شبابها لحظة الحدث في حلبة رقص كبيرة، بوصفها جزء من قيم الحضارة الغربية وثقافتها الفردية المحبة للحياة.

نتيجة ذلك، اعترفت مراكز القرار الغربية لإسرائيل في الحقّ بالردّ الذي ترتئيه وتقرّره، فكانت الرسالة الغربية لإسرائيل، قرّروا ونحن داعمون لكم. هذا ما أفصح عنه القرار الخماسي الصادر عن أميركا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا. وفي هذه الدول تأثيرات يهودية نافذة على مستوى الإعلام، وعلى مستوى النخب السياسية والثقافية.

وجرّاء ذلك أيضا، يبدو العالم يسير بخطى ثابتة نحو صنع مذبحة في غزّة وتقبّلها، أياً تكن طريقة إخراجها، لذا لم نر أي محاولة دولية للتوسّط أو طرح مبادراتٍ تهدف الى تهدئة الأوضاع. على العكس، ثمّة مسايرة واضحة للإسرائيليين في مشاريعهم التي تبدو خارج المنطق بأشواط، من نوع تهجير سكان غزّة الى سيناء ليتسنّى لإسرائيل القضاء على "حماس"، من دون أدنى اعتراض من دول غربية كبرى، حتى أن واشنطن، في جولة وزير خارجيتها، بلينكن، في الشرق الأوسط، بدأت التحرّك لتسهيل هذا المسار من خلال اقناعها العواصم العربية به، ربما بوصفه خيارا لا بديل عنه للخروج مما تعتبره واشنطن مأزقا وقعت به المنطقة.

إزاء ذلك، لا يبدو أن ثمّة موقفا عربيا تبلور أو في طريقه إلى التبلور، ثمّة تصريحات هنا وهناك تقتصر على رفض الانخراط في لعبة التهجير التي تخطّط لها إسرائيل، وبالكثير تدعو إلى ضبط النفس ومن الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، وهو ما ذهب إليه بيان وزراء الخارجية العرب الذي أظهر الجانب العربي كأنه وسيط وليس طرفا معنيا بالحدث، الذي تشكّل الجزء الأكبر من مشهديّته، إن لم نقل على مدار عقود، على الأقل في الفترة التي وصلت فيها أعتى حكومة يمينية إلى السلطة في إسرائيل، ومارست أكثر الأفعال عنصرية واستعلاء، من دون مراعاة، ليس للقوانين الدولية والالتزامات التي تفرضها المعاهدات الدولية على الطرف المحتل، بل لمسار التطبيع الذي بدأته عدة دول عربية مع إسرائيل.

لا يختلف هذا الحياد الذي يتسم به الموقف العربي من تطوّرات غزّة الخطيرة، وإن تلحّ القاهرة وعمّان على أن التهجير خط أحمر، كثيرا عن الموقف الغربي المنساق خلف إسرائيل، إذ يشكل في مضمونه رسالة إلى إسرائيل وداعيميها فحواها أننا لا نملك أكثر من الدعوة إلى التهدئة، ولا ننوي القيام بأكثر من ذلك، والأمر متروك لتقديراتكم وما تروْنه وتقرّرونه. وربما يذهب بعضهم الى البوح للأميركيين إن لدينا ما يكفينا من مشكلات وأزمات، ونرجو أن تحلّوا الأزمة بعيدا عنّا.

هل هذا هو بالفعل مقدار فعالية العرب، أليس في أيديهم أوراق قوّة يمكن من خلالها إحداث تأثير ملحوظ في السياق الذي بدأت إسرائيل تطبيقه، تدمير غزّة وتهجير سكانها وقتل آلاف من أهلها؟، وهل العقل السياسي العربي لم ير بعد صورة الكارثة القادمة على غزّة وتداعياتها الخطيرة على المدى العربي، وخصوصا دول الجوار، أو ما كانت تسمّى في الأدبيات السياسية والعسكرية دول الطوق؟

تملك الأطراف العربية أوراقا عديدة من القوّة التي يمكن التلويح بها في مواجهة إسرائيل وداعميها، وبالإضافة إلى النفط والغاز، لديها المعابر والممرّات والأجواء، فضلا عن الاستثمارات الهائلة في الغرب، ليس بالضرورة استخدامها خدمة ل"حماس"، بل من أجل تغيير المعادلة القاتلة التي فرضتها إسرائيل على العالم عبر تهرّبها من تنفيذ اتفاقيات أوسلو، وإصرارها على عدم الاعتراف بحلّ الدولتين، فهذا النوع من المعادلات يحتاج قوة وازنة لتغييره، وهذه فرصة للعرب بأن يفعّلوا أوراق قوتهم في مواجهة تصرّفات إسرائيل التي سترتدّ خطرا على العرب أكثر من غيرهم، فمن يعتقد أن تهجير سكان غزّة والتقتيل فيهم لن يشكّل بيئة لولادة ديناميكيات جديدة من عدم الاستقرار والفوضى، لا يفهم بتاريخ الصراعات وصيرورتها في المنطقة.

هذا الموقف العربي يجب أن يتبدّل، لمصلحة الشعوب والأنظمة والاستقرار في المنطقة، لا تدعوا مجانين إسرائيل، الذين تحرّكهم الأساطير والأحقاد، يشكلون المنطقة على هواهم، فهؤلاء لن يصنعوا إلا الخراب والدمار.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".