هل ثمّة فرصةٌ لقيام الدولة الفلسطينية؟

هل ثمّة فرصةٌ لقيام الدولة الفلسطينية؟

25 يناير 2024
+ الخط -

لا يُعرف عن أي دولةٍ فلسطينيةٍ تحدّث الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيام، ولكن ما عُرف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفى ما قاله بايدن عن عدم معارضته (نتنياهو) إقامتها، وهذا متوقّع، فالأخير مع إبقاء السيطرة كاملة على منطقة غربي النهر، وحتى لو تراجع عن هذا فإنه وحكومته مع السيطرة على منطقة غور الأردن، أي السيطرة على حدود الدولة الفلسطينية المحتملة، ما يجعلها بلا سيطرةٍ على حدودها الخارجية، إضافة إلى سلب سيادتها داخلياً بإصرار نتنياهو على الاحتفاظ بحقّ التدخل العسكري في المناطق الفلسطينية، ما يعني فعلياً إدارة ذاتية، وربما ما هو أقلّ منها (نموذج روابط القرى)، وتحويل السلطة الفلسطينية إلى سلطةٍ بلدية، ورؤساء بلديات يحتفظون ببطاقات الشخصيات المهمّة للتنقل والانتقال.

لا ذِكر من قريب أو بعيد للقدس، والأخيرة تشكل جوهرة التاج في النضال الفلسطيني، ولا للاجئين وسوى ذلك من ملفّات، ما يرجّح فرضية أن عودة الدولة الفلسطينية إلى التداول تهدف إلى تحقيق مكتسبات أخرى يسعى إليها بايدن، وهي إعادة توجيه بنادق الصيد أو شِباكه إلى السعودية، في لعبة إيهام بأن الوعد بدعم حلّ الدولتين يعني أنه تم تطبيقه، ولم يبق سوى مكافأة إسرائيل بتطبيع العلاقات معها.

إذا كان ثمّة كرة في الملعب في هذه الحال فهي في مرمى رام الله والرياض، فصحيحٌ أن نتنياهو يرفض دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، أو ما هو أقلّ منها، فحتى نموذج السلطة المشوّه واللقيط لا يحظى بالحدّ الأدنى من القبول لديه، ورغم ذلك ثمّة فرصة تكاد تكون نادرة لإنشاء دولة فلسطينية، فنتنياهو ليس الطرف الوحيد في المعادلة، فهناك المقاومة، وهناك التغيّر في المزاج الدولي، فغزّة دفعت بصمودها الأسطوري ثمن هذه الدولة مسبقاً، لكن المشكلة الأكثر تعقيداً وبعثاً على السخط تكمن في غياب قيادة فلسطينية جامعة تستثمر اللحظة الراهنة لتحقيق الهدف التاريخيّ لنضال شعبها.

لم يعد ياسر عرفات في رام الله بل محمود عبّاس، والأخير لم يغادر مبنى المقاطعة منذ "طوفان الأقصى" إلا قليلاً، ويظنّ أن الحِراك العربي أو الدولي، كلاهما أو أحدهما، يعفيه من قيادة حملة سياسية لا تهدأ لتوجيه الرياح في اتجاه ما يُفترض أن تتّجه إليه سفن شعبه. وليت تخلّيه عن دوره اقتصر على هذا، بل إنه لم يفعل ما هو أقل من ذلك بكثير، فهو لم يتواصل مع أيٍّ من قادة حركة حماس، كما لم يهاتف والداً فقد كل عائلته في غزّة، أو طفلة هي من بقي من عائلتها الممتدّة، ولم يوجّه خطاباً واحداً، إذاعياً أو تلفزيونياً، للغزّيين، يشيد فيه بصمودهم ويتألم لآلامهم، بل إنه على نحو مستهجن ترك بعض مساعديه يهاجمون المقاومة الغزّية بالقبضات والأرجل، دفاعاً عما يصفونه بالشرعية ووحدانية التمثيل، وهذا مخجل وشائن.

تجاهل أحد مساعدي عبّاس أن السلطة نفسها، بما فيها هو ورئيسه، تحت الاحتلال، وتحدّث بدلاً من ذلك عن حماس باعتبارها حركة انقلابية ومتمردة على الشرعية، وبأنها لا تمثّل إلا نفسها، متناسياً أن ما حدث في زمنٍ مضى تم تجاوزه مؤسساتياً من خلال حكومة الوحدة الوطنية، وميدانياً بتعرّض غزة لأكثر العدوانات عنفاً وإبادة، بما يفترض معه تأجيل الخلافات الصغيرة، وكثيرها أحقاد دنيئة، والانضمام للمقاومة ولو في الحد الأدنى بقيادة جهد دبلوماسي دولي يعظّم مكاسب طوفان الأقصى، ويوجهها نحو الهدف الأكبر للفلسطينيين وهو التحرّر وإنشاء الدولة، وهذا شأن من يفترض أنه يمثّل شعبه لا من يقعد عن مهمة الدفاع عنه.

على السعودية تجنّب ما وقعت فيه السلطة الفلسطينية، فأن يضيّع عبّاس فرصة إنشاء دولة ذات سيادة أمر وأن تضيّعها الرياض شيءٌ آخر، خصوصا أن واشنطن تربط قيامها، على نحو ما، بتطبيع السعودية علاقاتها مع إسرائيل. والمأمول ألا تقبل الرياض بمعادلة العربة أمام الحصان، أي التطبيع قبل قيام الدولة، حتى لو اقترن ذلك بوعود أو ضمانات تعرف السعودية قبل غيرها أن إسرائيل لا تلتزم بها، وأن تصر على أن التطبيع بعد قيام الدولة، أو في موازاتها، وهو ما فُهم من تصريحاتٍ أدلى بها وزير الخارجية السعودي أخيراً. سوى ذلك سيكون إهداراً لفرصة تكاد تكون نادرة لإسناد الشقيق الفلسطيني في معركته الوجودية للبقاء وتقرير المصير.

زياد بركات
زياد بركات
قاص وروائي وصحفي فلسطيني/ أردني، عمل محررا وكاتبا في الصحافتين، الأردنية والقطرية، وصحفيا ومعدّا للبرامج في قناة الجزيرة.