من يدغدغ الرئيس من خاصرته؟

من يدغدغ الرئيس من خاصرته؟

12 يناير 2023
+ الخط -

عرفنا لقب الأب القائد، وقبله الرفيق القائد، ألقاب لم يعهدها آباؤنا من قبل. الرفيق وصفٌ مستجلبٌ من أدبيات الدول الاشتراكية في منتصف القرن العشرين. وكان هناك في أوائل السبعينيات وصف أدبي سياسي هو "ابن الشعب البارّ"، ثم كبر الابن وأمسى أبًا للشعب البارّ. أغلب الظن أنَّ أول من تسمّى بالأب القائد هو كمال أتاتورك، وأتاتورك تعني أبا الشعب. لكن لقب الأب القائد لم يشع في مصر. نعرف الرئيس الإله، رمزًا أو كنايةً، وقد جمع بعض قادتنا الزُهّد بين الصفتين.

الأب القائد هو الذي يسهر الليل على عياله، وليس له عيلة سوى كرسيّه السحري المفترس، لكن صفتين اجتمعتا في صاحبنا قلّما اجتمعتا في نفرٍ غير الثقل والخفّة. الصفتان هما الوالد والولد، فهو الولد الوحيد بعد سبع بنات، أو بعد عقمٍ طويلٍ ويأس من الإنجاب. من صفات الرئيس العيّل أنه يفرح مثل الأطفال في الأسمار السياسية، ليس له مؤتمرات، فكلها سهراتٌ في النهار تنقصها الكوتشينة والشيشة، إنه يضحك مثل الطفل المدغدغ من خاصرته، ويبكي مثل الطفل أيضًا. وقد رأينا معمّر القذافي الذي مات صبيًا في الثالثة والسبعين، ولم يكبُر قط، وكان يهوى الأزياء العجيبة. يغضب مثل الصبية فيلكم حرسه غير آبه بالكاميرات، ويهوى التصفيق والإعجاب. وقد بذّه صاحبنا، فتعشّق مقام الطفل، فلم يبرحه، لأمرين؛ أولهما أنّ الرعاة (الأتابك باللغة المملوكية) يحبّون الرئيس الطفل، وكذلك الباعة الجوّالون الذين يشتري منهم بضائعهم الفاسدة.

أما مظاهر الطفولة، فكثيرة؛ مثال ذلك ولعه بالعجلة (العجلة الآلة والعجلة السرعة)، يقودها من غير سقوطٍ أو تعثّر أو عجلاتٍ مساعدة، وكأنه يؤدّي نمرةً في سيرك، وحوله الحرس يصونونه، وألعاب أخرى كثيرة، مثل العروض العسكرية والمدرسية، ويحبُّ قول الحكم والطرائف، وهو يضحك لها قبل السامرين معجبًا ببلاغته وبسالته في قول الحقّ أمام شعب جائر.

وثاني خصائص الصبية أنه يحبُّ الحصّالة، والحصّالة جرّةٌ صغيرةٌ من الفخّار يجمع فيها الطفل فضلات مصروفه الفائضة، أو قرشه الأبيض ليومه الأبيض. أما في أوروبا، فهي صندوقٌ معدني على شكل خنزير غالبًا، يشرف الرئيس العيّل على الخنزير بنفسه، ويجمع في بطنه الفكّة وينام بجانب الخنزير "لأن الفلوس غلبانة قوي"، هو طفلٌ لا يبرح حضن الوطن. الوطن ليس أرضًا وقضاءً وشعبًا، إنما هو كنغر.

هو طفلٌ غير عادي، فهو الطفل الوحيد، بعد سبع بنات، أو بعد يأسٍ وعقم، أو في أرذل العمر. لذا هو مدلّل، محروسٌ، كلامه قضاء، وضحكه مضاء، تبسط له السجد الحمراء خشية أن يسقُط ويؤذي نفسه، الأم (وهي الأمّة)، سعيدة بفصاحته وفحولته، مع أنّ في كل تصرّفاته رقّة الإناث، وخفر الإناث، وحركات الإناث، ودمع الإناث، وضحك الإناث، ودلع الإناث.

ولأنه الذكر الوحيد، له صيانات وأحراز غير الحرس الكثير والزجاج الواقي، هو طفلٌ لم يبلغ، ولا يجري عليه القلم، التكليف عنه ساقط، أقوالُه متناقضة، يحبُّ السيارات والجسور، مثل كلِّ الأطفال الذين يحبّون العبث بالعمارة الرملية والسيارات.

هو يستعين بالأسماء في النداء من أجل المودّة. كبيرٌ في رسمه، صغيرٌ في نفسه. طريقة كلامه أكبر خصائصه، فهو يخلط ويتلعثم، يقول الشيء ونقيضه، يعجز عن التعبير، نطق الأطفال يُشبه الشعر، انظروا إلى قصيدته الصوفية، التي قال فيها: "ربّنا غالي عليَّ قوي"، كل كلمة ينطقها يصفّق له الجمهور، فإما هو الخوف أو هو الفرح بنطق الطفل المعجزة الناجي من الخرس والعيّ.

الرئيس الكوري النووي أكثر الرؤساء طفولةً، عمود سياج قد يوقفه ويعطّل مسيرته، فيتوقف ويسأل عن سبب تقاصره بين إخوته من الأسيجة الشاهقة، فهو رئيسٌ عادلٌ يأبى الظلم والتفرقة بين العمدان، ومثله الرئيس العربي العيّل، إنما أتقى وأوْرع، يسأل عن العصافير التي سرقت علف البهائم، ويضحك مدهوشًا بتقواه وحرصه على الأعلاف، ومبهورا بعينه الثاقبة، كثيرون يخشون من إصدار قرار جمهوري بقتل الأطفال كما فعل فرعون موسى، فالأطفال عصافير أيضًا، والطفل يحبُّ أمثاله من الأطفال والعصافير، ومن الحبِّ ما قتل.

أكثر خصائص الرئيس أنه غريب، خطابُه غريب، مشيته، غضبه، فرحه، مزاحُه، جدّه، حمرة خدّه، يتساوى عنده الجدّ والمزاح، فيختلطان من غير برزخ.

683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."