عشر خسارات إسرائيلية غير منظورة

عشر خسارات إسرائيلية غير منظورة

02 ابريل 2024
+ الخط -

بعد انقضاء ستة أشهر من زمن حرب الإبادة على غزّة، وانجلاء كثير من جوانب الموقف الراهن، سيما الفشل السياسي والعسكري لهذه العملية الانتقامية المجنونة، لم يعد السؤال مبكّراً ما إذا ربحت دولة الاحتلال حربها المجنونة هذه أم لا، وإنما ما مدى الخسائر التي تكبّدتها ولم يعد من الممكن جبرها، خاصةً بعد أن تراكمت مؤشّراتُ هزيمةٍ استراتيجيةٍ مُنكرةٍ على الأرض، وتفاعلت مُخرَجاتها في حيّز الوعي، هزيمة لن تتمكّن عمليات الدمار ومقتلة الأطفال والنساء من محوها، حتى وإن جازف الاحتلال بدخول رفح، متوهّماً أنّ بانتظاره في المدينة المكتظّة منصةً للتتويج باللقب، ونيل الميدالية الذهبية.
سندع جانباً الخسائر المنظورة الثقيلة التي مُنيت بها قوات الاحتلال، إلى أن تضع هذه الحرب أوزارها، ويُماط اللثام عن كلفتها البشرية والتسليحية المُتَسَتَّر عليها، كما سنصرف النظر أيضاً عما يجري ضخّه من تسريبات استخباراتية مضلّلة، وقصص ملفّقة حول "الإنجازات الباهرة" والمكاسب التكتيكية المزعومة لجيشٍ مولعٍ بالحرب على المستشفيات والصحافيين، وذلك كلّه من أجل تكثيف الضوء على ما يتراءى لنا من خسائرَ غيرِ منظورةٍ، تحقّقت غداة حرب 7 أكتوبر المجيد. تلك الحرب التي بدأت وانتهت في اليوم نفسه، وعادلت حرب الأيام الستة. 
ومع أن هناك كثرة من مفقودات تقع في باب الخسائر غير المنظورة، يضيق المقام بحصرها، إلا أن الحديث هنا سيقتصر على أهم عشر منها، لعل أولها خسارة دور الضحية الأبدية، التي احتكرتها دولة الاحتلال لنفسها، واستثمرت فيها بكفاءة، إلى أن سقط القناع عن القناع خلال حرب الإبادة، وانجلى وجه دولة مجرمة تقترف ما لم يُقترف مثله في أي زمان أو مكان. وثانيها، خسارة سرديّة المظلومية، التي بناها الاحتلال بأكاذيبه عما وقع يوم 7 أكتوبر، وقد انهارت بسرعة، ليس بفضل حسن أداء إعلامي فقط، وإنما أيضاً بفعل حرب الإبادة والتجويع والتدمير المنهجي الشامل.
الخسارة الثالثة ماثلة في هذه الهستيريا الضاربة في العقل الجمعي، الصادرة عن مجتمع فقد صوابه وثقته بنفسه، وبجيشه وبدولته وبحلفائه، واستشاط في كراهية الغير من دون استثناء، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمّة الصحة العالمية و"الصليب الأحمر" و"أونروا" ومحكمة العدل الدولية و"أطباء بلا حدود"، وشبكات التلفزيون وحقوق الإنسان، إذ صنّف هؤلاء، وغيرهم، متعاونين مع الإرهاب ومعادين للسامية، وهذه الفرية تحديداً سقطت مع الساقطات، بل ويمكن إدراجها رابعة في قائمة الخسارات غير المنظورة.
الخامسة، خسارة الصورة التي كانت عليها قبل "طوفان الأقصى"، دولة فتية قوية مزدهرة مُهابة، وواحة ديمقراطية في صحراء الشرق العربي، لتبدو اليوم، بعد ستة أشهر من الفشل، دولةً ثيوقراطيةً فاجرةً منهكةً مذعورةً منبوذةً مصدومةً، تُقوّض نفسَها بنفسِها، وتخسر مكانتها الممتازة، وتقف على بعد خطوة أمام قفص القضاء الدولي بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. أما السادسة، فتتجسّد في التفكك الذاتي؛ في تعمّق الانقسامات بين كل المكوّنات الاجتماعية، بين العلمانيين والمتدينين، وبين الحريديم والليبراليين، وبين اليمين والوسط وما تبقى من يسار، وبين مركّبات الحكومة والكنيست ومجلس الحرب، وداخل مختلف الأطياف السياسية.
الخسارة السابعة، خسارة مركزيتها الإقليمية ودورها الوظيفي، قاعدةً غربيةً وحاملةَ طائرات أميركية لا تغرق، وإذا بها تتحول بعد حرب 7 أكتوبر، من ذخرٍ استراتيجيٍ للغرب إلى عالة وعبءٍ ثقيل عليه، دولةً صغيرةً ضعيفةً مرذولةً، تحتاج إلى الأساطيل وإمدادات السلاح والحماية. الخسارة الثامنة هي هذا الحسّ المتفاقم بدنو أجل خراب الهيكل الثالث، وهذا الخوف المستشري، بلعنة الثمانين من العمر، فيما تبدو الخسارة التاسعة جليةً في انتهاء عصر الدولة فوق القانون، والإفلات من العقاب، ومنع المساءلة.
الخسارة العاشرة، وليست الأخيرة ماثلة في جملة من الخسارات غير المنظورة، تبدأ من الخسارة الأخلاقية، وهذه لا تحتاج تأكيداً، إلى جانب خسارة الرأي العام في الغرب، وهو أحد أهم مصادر قوتها السياسية، فضلاً عن فقدان الجاذبية والأفضلية، بالنسبة للمهاجرين والمستثمرين وذوي الجنسيات المزدوجة، بل التحوّل إلى قوة طاردة، كما تشمل القائمة الطويلة خسارة المعركة الإعلامية (إعلام كاذب وناطق عسكري كذّاب) ناهيك عن الهبوط إلى الدرك الأسفل، وخسارة السمعة، وتسعير كراهية الأمم لدولة التمييز العنصري والفاشية، ولا تنتهي عند تفاقم الشعور بالعار والشنار ونظرات الاحتقار، إزاء حاملي جواز السفر الإسرائيلي في المطارات الأوروبية.

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي