شباب الأردن بين التمكين والمشاركة

23 يوليو 2023

شاب أردني في احتجاج أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان دعماً لغزة (6/8/2022/الأناضول)

+ الخط -

يراقب ملك الأردن، عبدالله الثاني، مسارات التحديث السياسي والاقتصادي والإداري في بلاده بشكل كثيف، ولعلّ التركيز على المسار السياسي يأخذ أولوية قصوى، لكون أولى محطّات الاستجابة له ستكون في الانتخابات البرلمانية المقبلة التي أعلن الملك قبيل عيد الأضحى أن طريق التحديث تتجه إليها في العام المقبل، وأكد ذلك رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، في جولاته الحوارية مع شباب الجامعات الأردنية في ثلاث محطّات حوارية. وفي هذا السياق، هناك أنباء عن تشكيل لجنة عليا غير معلنة لمراقبة تجربة الأحزاب الجديدة ومسار التحديث السياسي الذي سيتوّج في انتخابات البرلمان المقبل.

وهذا يعني ضمنا أن الهيئة المستقلة للانتخاب في ورشة مستمرّة الانعقاد لوضع التعليمات الخاصة بالانتخابات التي ستجري استجابة لقانون الانتخاب الجديد للعام 2022، وهو ما يتطلّب العمل الكثير، وتوقّع المخاطر والتحدّيات والانعطافات الحادّة. وستكون النتيجة شكلا جديدا لبنية البرلمان والتمثيل السياسي للمجتمع والأغلبية السياسية، حيث سيكون للأحزاب في هذا البرلمان حصة الأسد، فوفق القانون الجديد سيتم التدرّج بزيادة المقاعد الحزبية في البرلمان المقبل ابتداء من 30 % في المجلس النيابي (العشرين) مروراً بـ 50 %، ووصولاً إلى نسبة 65 % خلال السنوات العشر المقبلة.

وقد أعاد مشروع قانون الانتخاب رسم الدوائر الانتخابية ضمن دائرتين: محلية وعامة، يخصّص لهما 138 مقعداً، منها 97 للدوائر المحلية، موزّعة على 18 دائرة انتخابية، و41 مقعداً للقائمة العامة مخصّصة للأحزاب والتحالفات الحزبية، وهذا يعني أن الأحزاب تستطيع أيضا أن تنافس على الدوائر الفرعية أيضا. وبهذا الشكل، المطلوب من الأحزاب ترتيب أمورها والاستجابة للمسار السياسي الجديد، والمهم هو مخرجات الانتخابات الداخلية في الأحزاب التي ستُفرز قوائم مرشّحيها على مستوى القائمة العامة، وهو أمرٌ يمثل معضلة كبيرة نتجية حداثة التجربة الحزبية، ولشعور الكثرة الأردنية بأن القوائم الحزبية للبرلمان أو أن نتيجة انتخابات الأحزاب متّفق عليها بين أعضاء الأحزاب، وبالتالي إعادة تدوير النخبة السياسية التقليدية من بوابة أحزابٍ تشكّلت حديثا وبطريقة يشوبها جدلٌ كثير.

انخفاض المشاركة مجرّد عَرَض، والمرض يكمن في تأخّر مستويات تقدّم (وإصلاح) مؤسّسات الدولة السياسية التي تنفذ القانون

وقد عبّر عن هذا الارتياب الشباب الجامعي في لقاءات رئيس الحكومة بشر الخصاونة معهم، حيث ردّدوا في أكثر من لقاء: "لا نريد وزراء وأعيانا ونوابا سابقين من بوّابة الحزبية الجديدة، ولا نريد أحزابا من عمّان". تلك صورة متكرّرة لكنها لا تعني أن الجميع في سلة واحدة، وعلى الشباب الأردني أن يوحد صفوفه وأن يستفيد من مخرجات التحديث السياسي، كي لا يكون مجرّد جمهور وحمولة مطلوبة، لتثبيت شرعية ترخيص الأحزاب.

معضلة أخرى تواجهها الأحزاب، وهي بلوغ العتبة، إذ حدّد القانون الجديد للانتخاب نسبة حسم "العتبة" التي يجب على القوائم الحصول عليها للتنافس على المقاعد المخصّصة لكل دائرة انتخابية بـ 7% من مجموع المقترعين في الدائرة المحلية، و2.5% من عدد المقترعين في الدائرة العامة الحزبية. وفي حال عدم وصول القوائم المترشّحة في "الدوائر المحلية" إلى نسبة الحسم، يجرى تخفيض العتبة بمقدار نصف % في كل مرّة إلى أن يجري ملء المقاعد المخصّصة للدائرة. ومعنى ذلك أن القانون عالج المحاذير، لكن المهم شكل الاستجابة الشعبية وولادة أحزاب برامجية جديدة كليّاً من حيث خطاباتها ومؤسّسيها، والأكثر أهمية إقناع الشباب بالانتخاب وتعديل نسبة الاقتراع التي كانت منخفضة في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. لكن السؤال اليوم: ماذا نعرف عن الشباب ومستويات اندماجهم وتفاعلهم مع مخرجات التحديث السياسي في الأردن؟ وكيف يفكّر الشباب بالمشهد العام، وكيف تفكّر النخبة السياسية الحاكمة بهم؟ وهنا يمكن القول إن مجاميع الشباب الأردني من فوق سن العشرين تشكل جزءا كبيرا من وعيهم في سنوات الربيع العربي، وإنهم تأثروا بشكل مباشر بالمطروح سياسيا وراقبوا المشهد الأردني وشاركوا فيه. وبالتالي، يمكن حصر ثلاثة مستويات مدرسية متفق عليها عالميا أيضا في مسار المشاركة الشبابية وتمكينهم:

أولا، هناك المدرسة المثالية التي ترى أن مشكلة الشباب هي مشكلات مجتمعهم نفسها. وعليه، أي تمكين لهم ينبغي أن يكون من خلال تمكين هذا المجتمع. وبالتالي، انخفاض المشاركة هو مجرّد عَرَض، والمرض يكمن في تأخّر مستويات تقدّم (وإصلاح) مؤسّسات الدولة السياسية التي تنفذ القانون، أي تدنّي مستوى الحاكمية في عملية صنع السياسة وتطوير السياسات. وتربط هذه المدرسة بتفسيرات وإدراك مؤسّسات الدولة وخطابها بأن هناك تأخّرا نتيجة تحدّيات خارجية وداخلية. وترفض هذه المدرسة التمييز الإيجابي، أي منح الشباب أو المرأة كوتات خاصة، وتركّز على بديل إصلاح المؤسّسات وتحديثها وتطوير استجاباتها للشباب وإقناعهم بالمشاركة.

ينبغي توفير مساحة واسعة لمسار العدالة والشمول لتحقيق الثقة المطلوبة بين الشباب بأنهم ليسوا مجرّد جمهور مطلوب لتأسيس الأحزاب

والنظرة الثانية للشباب مصدرها المدرسة النفعية التي تقول بتخيير الشباب حسب متطلباتهم وأولوياتهم بين الترفيه والتعليم والعمل وخيارات المستقبل، ولعل هذا ما أجاب عنه الشباب الأردني في استبانة حوار الحكومة معهم بالإجابة عن سؤال: أين تجد مستقبلك، في القطاع العام أم الخاص؟ فالكثرة أجابت أن مستقبلها في القطاع الخاص! وهناك نظرة ثالثة مصدرها مدرسة النخبة، التي ترى أن الشباب لا يحتاج أكثر مما أخذ، وأن الشباب يجب أن يمرّ بما مرّت هي به من تجربة، وهي نظرة غير واقعية، وتسعى إلى الإبقاء على مكاسبها. وللأسف، هذه النخبة هي التي هيمنت على الأحزاب المشكلة حديثا، وباتت تمثل حاجزا أمام تقدّم الشباب وتفاعلهم.

والسؤال: ما المطلوب لتجاوز هذا الواقع؟ لعلّ هذا الإشكال الأردني يتطلب التمييز بين التمكين الذي هو واجب على الدولة تجاه الشباب، وهو ما تم في مخرجات التحديث السياسي من قوانين وتوصيات خاصة بالشباب والمرأة، والمشاركة التي هي حقّ، وهنا ينبغي توفير مساحة واسعة لمسار العدالة والشمول لتحقيق الثقة المطلوبة بين الشباب بأنهم ليسوا مجرّد جمهور مطلوب لتأسيس الأحزاب وترخيصها للتقريب بين حقّ المشاركة وواجب التمكين.

F1CF6AAE-3B90-4202-AE66-F0BE80B60867
مهند مبيضين
استاذ التاريخ العربي الحديث في الجامعة الأردنية، ويكتب في الصحافة الاردنية والعربية، له مؤلفات وبحوث عديدة في الخطاب التاريخي والتاريخ الثقافي.