زلّات لسان الرؤساء المسنّين

زلّات لسان الرؤساء المسنّين

13 نوفمبر 2022

(حسين ماضي)

+ الخط -

أعتقد أن عنصر "التقدّم بالسن" غير كافٍ لتفسير زلّة اللسان التي ارتكبها الرئيس الأميركي جو بايدن، عندما خلط بين حرب أوكرانيا 2022 والعراق 2003، وأشار إلى أن ولده جوزيف قُتل هناك، مع أنه مات بسرطان الدماغ يوم 30 مايو/ أيار 2015. لو أن بايدن كان يعاني ضعفاً في الملكات العقلية، لما رشّحه الحزب الديمقراطي للرئاسة، ولما تمكّن من الحصول على ما يكفيه من أصوات الناخبين ولجان الانتخابات للنجاح.

بمعنى آخر؛ قد يصل الرئيس، في الديمقراطيات الغربية، إلى الرئاسة وهو متقدّم في السن، مثل بايدن الذي انتُخب وعمره 79 سنة، بينما الشائع في الدول ذات الأنظمة الشمولية عموماً أن يبقى الرئيس على رأس عمله طالما بقي فيه عرقٌ ينبض، ففي السبعينيات، مثلاً، أصيب الرئيس السوفييتي، ليونيد بريجينيف، الذي كان يمثل حالة المراوحة في المكان بالنسبة للدولة السوفييتية، بسكتة قلبية أدّت إلى تعطّل النطق لديه، وطلب إعفاءه من منصبه، ولكن مراكز القوى التي كانت تُناصره، وتحكم البلاد من خلاله، رفضت طلبه، وأصرّت على استمراره في السلطة، وبقي، بالفعل، حتى وافته المنية في سنة 1982.

لكي نستبعد عنصر التقدّم بالسن في تفسير زلّة اللسان، يمكننا الاستدلال بالرئيس جورج بوش الابن الذي كان في عمر صغير نسبياً (55 سنة) عندما زلّ لسانه وصرّح، بعد أحداث 11 سبتمبر (2001)، بأن الحرب على الإرهاب سوف تكون "صليبية"، مع العلم أن أميركا دولة علمانية، لا دينية، وحروبها التي تشنّها في الخارج لم تكن لنشر الدين المسيحي، بل لتحقيق مصالح استراتيجية كبرى، غلفتها بشعارات برّاقة، كالقول إن العراق يشكل خطراً على السلم العالمي، بامتلاكه أسلحة دمار شامل... ولا ننسى، بالطبع، أن أميركا دعمت، في أكثر من مناسبة، تنظيماتٍ إسلامية متطرّفة، منها تنظيم قاعدة الجهاد، بقصد إعاقة الوجود السوفييتي في أفغانستان، ودعمت ما عُرف باسم "الصحوة الإسلامية"، ليس من باب المحبّة لديننا، بل لإغلاق الطريق على التمدّد الشيوعي في منطقتنا.. ولكن "حسابات السوق لم تطابق حسابات الصندوق"، فتنظيم القاعدة نفسه نفذ هجمات "11 سبتمبر"، وانطلقت بسببه "الحرب على الإرهاب" التي ذهب ضحيتها مئاتُ الألوف من القتلى، وكلّفت أميركا والعالم خسائر تقدّر بمليارات الدولارات.. وفي أثناء تشكيل التحالفات العسكرية الدولية، بقيادة أميركا، كثيراً ما كانت تشارك دول مسلمة في الحرب على دولة مسلمة، مثلما حصل في حرب تحرير الكويت 1991، وهذا ينفي فكرة أن تكون الحرب صليبية، كما قال بوش.

حتى الآن، نحن نتحدّث عن الدول العظمى. أما في الدول المتخلّفة فلا بد أن يدخل الأمر في إطار التراجيكوميديا، ولعل الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، كان المثل الأكثر وضوحاً، فمع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كثر التنكيت على ضعف ملكاته العقلية. ومع ذلك، وعلى الرغم من تدهور صحته، أصرّ على الترشّح لولاية جديدة سنة 2019، فقوبل بمظاهراتٍ رافضة ترشّحه، فرضخ لها، ولو أنه رشّح لما أكمل مدته، فقد توفي في سبتمبر/ أيلول 2021 وهو في الثانية والثمانين.. ومعلومٌ أن حسني مبارك بقي رئيساً لمصر منذ اغتيال أنور السادات في 1981، حتى قامت عليه ثورة في يناير/ كانون الثاني 2011، فاضطر للاستقالة، وهو في الثالثة والثمانين.

لم يكن لسان حافظ الأسد يزلّ، ولو بحرفٍ واحد، فقد كان قليل الكلام، والتصريحات، يترك الشعب يعاني من الفقر، وتسلّط أبناء أسرته ومخابراته، وحينما تأتي مناسبة قومية، يظهر ليقول عباراتٍ إنشائية مكتوبة، وعلى الرغم من الحرية النسبية الموجودة في لبنان، فقد أوصلت التوازناتُ الطائفية العماد ميشيل عون (مولود سنة 1933) إلى الرئاسة، ولعل آخر نكتة شهدتها فترته، أنه شرَد في أثناء استقباله الرئيس ماكرون، وفجأة انتبه، فالتفت إليه وسأله: أنت ابن مين يا عين عمّك؟

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...