حكومة السوداني في العراق... إلى الوراء دُر

حكومة السوداني في العراق... إلى الوراء دُر

25 أكتوبر 2022

محمد شياع السوداني في بغداد (13/10/2022/أسوشييتد برس)

+ الخط -

انتهت جولة من جولات الصراع بين القوى الشيعية الممسكة بتلابيب العراق منذ 2003، جولة تشير نتائجها إلى أن الإطار التنسيقي، الذي تصفه وسائل الإعلام، جزافا، بأنه محسوبٌ على إيران، فاز فيها على مقتدى الصدر وتياره السياسي، الذي تصفه وسائل الإعلام، جزافا، بأنه غير محسوبٍ على إيران، فقد انكفأ الصدر في مقرّه بالنجف، وترك خيار تشكيل الحكومة لأطراف العملية السياسية بعدما سحب نوابه الـ73 من البرلمان، فصعد الإطار التنسيقي وصار هو الكتلة الكبرى وقدّم مرشحه المثير للجدل، صدريا على الأقل، محمد شياع السوداني، لتشكيل الحكومة، والذي يبدو أنه يسير بخطى واثقة وسريعة من أجل تقديمها إلى البرلمان لنيل الثقة.
وبعيدا عن صراع القوتين الشيعيتين، التيار الصدري والإطار التنسيقي، والذي يبدو أنه سيبقى قابلا للاشتعال في أي لحظة، فإن مشاورات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة تؤكد أن ترشيح السوداني ودعمه اللامحدود من زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الرجل الذي أثبتت الأيام أنه ما زال قادرا على التحكّم بالمشهد السياسي، يمكن أن يشكّل انقلابا على كل الطموحات التي رافقت ثورة تشرين، والتي أدت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي وتشكيل حكومة مصطفى الكاظمي، ولعل من أبرز تلك الطموحات الابتعاد، ولو قليلا، عن المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية التي شكّلت المشهد العراقي طيلة الـ19 عاما الماضية.
صحيحٌ أن حكومة الكاظمي لم تنجح في الابتعاد كليا عن مفهوم المحاصصة، ولكنها على الأقل سمحت لنفسها، بضغط من شارع تشرين، أن تتشكّل بمفهوم أقرب إلى حكومة التكنوقراط، وساهمت، إلى حد كبير، في خفض أصوات طائفية كثيرة، وإن كانت هي بالمجمل نتاج هذا النظام الطائفي المحاصصي الذي شكّل المشهد العراقي، ولكن على الأقل كانت هناك محاولة.

حكومة، يرأسها، باطناً وظاهراً، شخص محسوب على المالكي، يأتمر بأمره، ولا مانع لديه من أن يسترجع سيرته في كل خطوةٍ يتخذها

استقال محمد شياع السوداني من حزب الدعوة (الإسلامي) استقالة يبدو أنها كانت صورية، فهي، وإن دفعته إلى تشكيل تحالف الفراتيْن، والذي لم يحصل سوى على مقعد واحد في انتخابات 2021، إلا أن علاقته مع المالكي أكبر بكثير من علاقة تنظيمية حزبية، ما يدفع إلى الاعتقاد أن حكومة السوداني مالكية بامتياز، فخلال التفاوض مع التيار الصدري قبل أن ينعزل الأخير كليا عن العملية السياسية، دافع المالكي بقوة عن ترشيح السوداني، ورفض استبداله، رغم أنه استبدال كان يمكن أن يفضي إلى تفاهم مع التيار الصدري، وهو ما كان يعتقده، ويدفع به بعض قادة الإطار التنسيقي. وهذا موقفٌ يؤكّد أن المالكي سيكون رئيس الحكومة الفعلي، وهو ما تجسّد أيضا خلال فترة المفاوضات التي تسبق إعلان السوداني حكومته. صحيح أن كل الكتل السياسية، وفقا لكل التعريفات والتوصيفات، تعرف ما لها من استحقاق في التشكيل الوزاري بناء على عدد المقاعد وطريقة احتساب النقاط المعمول بها، إلا أن يد المالكي كانت حاضرةً في عملية استبدال وزارات بأخرى وتغيير أسماء مرشحين بأخرى.
يرتبط نوري المالكي في الذاكرة الجمعية العراقية بواحدةٍ من أسوأ مراحل عراق ما بعد 2003، فالرجل الذي قاد البلاد في دورتين انتخابيتين من 2006 إلى 2014، شهدت اختفاء نحو 550 مليار دولار من الخزينة العراقية، وتسليم ثلث العراق إلى عناصر تنظيم داعش، ناهيك عن حقبة مليئة بشحن طائفي كان يقوده المالكي بنفسه، ومن كل المنابر التي كان يعتليها. رافقت ذلك عملية قمع وحشي لمظاهرات محافظات عراقية "سُنية"، وتغييب آلاف من المدنيين العراقيين واحتجاز مثلهم واعتقالهم في مختلف السجون، العلنية منها والسرّية، وغيرها فظائع كثيرة لا يتسع المجال لسردها. وتبرز هذه الحقبة السوداوية، ونحن نرقب تشكيل حكومة عراقية جديدة، يرأسها باطنا وظاهرا، شخصٌ محسوبٌ على المالكي، يأتمر بأمره، ولا مانع لديه من أن يسترجع سيرته في كل خطوة يُقدِم عليها.

قد لا يكفي السوداني أنه من عراقيي الخارج ليشكل حكومة قادرة على أن تفتح للعراق والعراقيين نافذةً صوب تغييرٍ طال انتظاره

صحيحٌ أن السوداني أول رئيس حكومة عراقية تتشكّل بعد 2003 من عراقيي الداخلي، فمنذ ذلك العام تناوبت على رئاسة الحكومة شخصيات من عراقيي الخارج، ولكن هذه "الحسنة" قد لا تكفي السوداني ليشكل حكومة عراقية قادرة على أن تفتح للعراق والعراقيين نافذةً صوب تغييرٍ طال انتظاره، فالسوداني مالكي الولاء، يدين له بالكثير، فهو الذي استوزره أول مرّة في أثناء فترة رئاسته الثانية، وهو الذي قدّمه مرشّحا وحيدا لا بديل عنه في التشكيل الحكومي الحالي.
لن نتحدّث عمّا يمكن أن يعترض السوداني وحكومته في الفترة المقبلة، فهو أمر مفروغ منه، لا يختلف عما كان ينتظر حيدر العبادي عام 2014، ولا عن عادل عبد المهدي أو خلفه مصطفى الكاظمي، فالملفات ذاتها ما زالت بلا حلول ولا تقدّم يذكر، ولكن الأخطر هو إلى أي حدٍّ سيتمكّن السوداني من إثبات استقلاليته عن المالكي، حاكم الظل الفعلي، وهل سينجح في ذلك؟ أو قل هل لديه الرغبة الفعلية أصلا حتى يحاول؟ 
في ظل كل ما تقدّم، والمعطيات الجارية على الساحة العراقية، يمكن القول إن حكومة السوداني هي حكومة العودة إلى الوراء. صحيح أن لا تقدّم يذكر في عراق ما بعد 2003 وحكوماته الفاسدة والمتحاصصة، ولكن بريق أمل ما شكّلته تشرين في 2019 خفت كثيرا في ظل حكومة عراقية جديدة، تشكلت أصلا على أنقاض أكبر عملية انقلاب على الانتخابات ونتائجها بعد 2003.

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...