حسم الجدل حول "وحدة الساحات"

حسم الجدل حول "وحدة الساحات"

27 ديسمبر 2023

دخان فوق كفركلا على الحدود اللبنانية الفلسطينية بعد قصف إسرائيلي (21/12/2023/فرانس برس)

+ الخط -

أعاد اغتيال إسرائيل قائد إسناد الحرس الثوري الإيراني في سورية، رضي موسوي، أول من أمس الاثنين، إحياء الجدل الذي بدأ مع انطلاق عملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر، بشأن إمكانية اتساع نطاق المواجهة خارج حدود قطاع غزّة، وانضمام إيران وحزب الله إليها. المدهش أن هذا الجدل يعود بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على انطلاق العدوان الإسرائيلي، وسقوط ما يزيد عن 20 ألف شهيد فلسطيني، ونحو 60 ألف جريح، وتدمير 70% من القطاع، وتشريد 85% من سكّانه. وربما حان الوقت لغلق باب النقاش مرّة واحدة، وبشكل نهائي، في إمكانية دخول حزب الله، دع جانبًا إيران، حربًا ضد إسرائيل من أجل أي شيء خاص بفلسطين. حتى نفعل ذلك، ينبغي أن تتجاوز تقييماتنا، أولًا، التطورات العابرة، من قبيل إطلاق صاروخ هنا أو مقتل شخص هناك، بغض النظر عن موقعه ومكانته، والتركيز، بدلًا من ذلك، على الأساسيات التي تحكم حسابات إيران وحزب الله في المنطقة، وهي لم تتغيّر منذ أنشأت الأولى الثاني عام 1982. 
أول هذه الأساسيات أن حزب الله لم ينشأ من أجل تحرير فلسطين، ولا من أجل استعادة الأقصى، بل من أجل الدفاع عن نظام الجمهورية في إيران، ومصالحه الإقليمية. والواقع أن تجربة العقود الأربعة الماضية تبيّن أن حزب الله لم تكن لديه يومًا مهمة كبرى سوى ردع أي محاولة إسرائيلية، أو أميركية، لمهاجمة إيران، أو الدفاع عن مشروعها الإقليمي، كما فعل في سورية والعراق على امتداد العقد الماضي. بناء عليه، يعدّ الحفاظ على حزب الله قوّة ردع، أو أداة انتقام ضد إسرائيل، في حال جرى استهداف برنامج إيران النووي أو الصاروخي، أو مهاجمة النظام الإيراني نفسه، أولوية قصوى بالنسبة إلى إيران، التي لا تملك، في الواقع، وسائل غير ذلك لردع إسرائيل عن مهاجمتها. تدرك إيران أن لدى إسرائيل والولايات المتحدة، كما توضح عمليات إطلاق الصواريخ والمسيّرات من اليمن، القدرة على إسقاط صواريخها في الجو نتيجة بُعد المسافة مع إسرائيل، في حين أن كل التقديرات تقول بحتمية فشل أي نظام دفاعي، بما في ذلك نظام القبّة الحديدية، في اعتراض ما لا يقل عن 10% من صواريخ حزب الله على إسرائيل بسبب قرب المسافة. من هنا، يصبح الحفاظ على قدرات حزب الله الردعية أمرا حيويا يتصل ببقاء النظام الإيراني، ولا يمكن من ثم التضحية به لأي سببٍ آخر، مهما بدا مهمًا.
لقد مثّلت حرب غزّة اختبارا فعليا لمقولة "وحدة الساحات" التي صيغت بعد حرب غزّة عام 2021، ومفادها بأن أي استهداف لأحد أعضاء "محور المقاومة" يؤدّي تلقائيا إلى تفعيل بقية الساحات لدعمه. ليس أن غزّة تُركت وحدها في مواجهة العدوان الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر، بل بدا وكأن عملية طوفان الأقصى أضرّت بمصالح إيران، وأفسدت عليها فرصة مهمة لرفع العقوبات الأميركية. لقد جاءت العملية بعد أسبوعين فقط من موافقة المرشد على عقد مفاوضات مباشرة مع واشنطن لأول مرّة منذ عام 2018، حيث كان مقرّرا أن يلتقي مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغورك، كبير المفاوضين الإيرانيين، محمد باقري كني، في عُمان لمناقشة سبل إحياء الاتفاق النووي. وتوحي بعض التعليقات الإيرانية، فوق ذلك، أن حركة حماس سعت إلى توريط إيران وحزب الله في مواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة. بناء عليه، بدلا من توفير الدعم الكامل، كما تفترض تفاهمات "وحدة الساحات"، ذهبت إيران باتجاه الضغط على "حماس" لتلبية بعض شروط وقف القتال (إطلاق المحتجزين). مع نهاية الحرب على غزّة، سوف تتأكد إيران أن أيا من حلفائها لن يأخذ قراراتٍ مستقلة بمعزل عنها، لأن هذا يشكّل تهديدا لمنظومة الردع التي أنشأتها لحماية نفسها. لن يكون هذا الأمر سهلًا، خصوصا مع "حماس" التي تقوم عقيدتها، عكس حزب الله وبقية المليشيات الإيرانية، على هدف تحرير الأرض وإنهاء الاحتلال، وليس حماية حكّام طهران، أو مشروعهم الإقليمي، وهذا ما يضع فلسطين تحديدا خارج إطار "وحدة الساحات".