بوريس جونسون ... نهاية سياسي كذّاب

بوريس جونسون ... نهاية سياسي كذّاب

16 يونيو 2023
+ الخط -

غادر بوريس جونسون، الأسبوع الماضي، آخر موقع رسمي يشغله، عضوية مجلس العموم البريطاني، وفقد بذلك كرسي النيابة الذي حازه في غرب لندن عن حزب المحافظين (الحاكم). وبذلك يكون خسر خلال أقل من عام منصبه رئيسا للوزراء ورئيسا لحزب المحافظين، وبات من دون أي حصانة. والسبب المباشر الذي أوصله إلى هذا الوضع التجاوزات واستغلال المنصب والتضليل الذي مارسه بخصوص ما بات يعرف باسم "بارتي غيت". وبعد أن صعد بسرعة كبيرة من عمدة مدينة لندن إلى وزارة الخارجية، ومن ثم رئاستي الوزارة والحزب، هبط سريعا لأنه خرق إجراءات الحظر التي جرى فرضها في البلاد خلال انتشار وباء كوفيد - 19، وأقام خلال عام 2021 حفلا في مقرّ رئاسة الوزارة. وقد ضاعفت من عواقب هذا التصرّف محاولة جونسون تضليل القضاء بأن الحفل تم من دون علمه، وهو أمر تأكّد عدم صحته في تحقيق لجنة برلمانية استمرّ قرابة عام، وانتهى إلى رفض كل حجج جونسون، واعتبر أنه ضلّل البرلمان عمدا. ولذلك جاءت استقالته بمثابة قرار طرد فوري، أو هكذا فسّرها هو، واعتبرها إجراءً غير ديمقراطي، وزعم أنه "أُجبر على الخروج من البرلمان"، بينما وصفته نائبة رئيس حزب العمّال المعارض أنجيلا راينر بأنه "جبانٌ لا يتحمّل المسؤولية عن أفعاله". وفي ظل الجدل، أثار جونسون نقطة مهمّة، حينما وضع المسألة في سياق "الانتقام من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفي النهاية عكس نتيجة استفتاء 2016"، كما جاء في خطاب الاستقالة.

يعدّ جونسون نسخة صريحة للرداءة السياسية التي أنتجتها الشعبوية في أوج صعودها في أوروبا في العقدين الأخيرين، وروّجها اليمينان، المحافظ والمتطرّف، وعرفت ازدهارا مع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة عام 2017، والذي دعم بقوة توجّه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي تزعّمه جونسون، بالتعاون مع قوى اليمين البريطاني المتطرّف. ويعد هذا العمل أبرز نقطة سوداء في ملفّه، بسبب النتائج الكارثية التي ترتّبت عليه في المجالات كافة، وخصوصا الاقتصادي، حيث خسرت بريطانيا الشراكة مع أوروبا، وهي ما لم تتمكّن من تعويضه، ولذا بات اقتصادها يعاني من عجزٍ كبيرٍ على مستوى تأمين أسواق بديلة. واللافت أن إنهاء عضوية جونسون في مجلس العموم صادف اليوم الذي تقرّر فيه مثول ترامب أمام المحكمة الجنائية الاتحادية بتهمة جرمية، هي "خرق قانون التجسّس"، بسبب الاحتفاظ بوثائق سرّية تتعلّق بالأمن القومي. ومثلما انفضّت الأغلبية في الحزب الجمهوري عن الرئيس الأميركي السابق، تخلى حزب المحافظين عن جونسون. وفي الحالين، النتيجة المباشرة هي محاولة الحيلولة بينهما وبين العمل السياسي في المستقبل القريب، ما يوجّه ضربة كبيرة لتيار الشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا. ورغم أن ترامب لم يخسر الجولة، تفيد التقديرات بأن سلوكه قد ينعكس سلبا على رصيد الجمهوريين السياسي، والأمر ذاته بالنسبة إلى حزب المحافظين (الحاكم) المتوقع أن يدفع في الانتخابات البرلمانية المقبلة فاتورة أخطاء جونسون، ومن المرجّح أن تكون هذه الفاتورة باهظة إلى حد أن الحزب قد يخسر الأغلبية البرلمانية التي أهّلته للحكم منذ 13 عاما، خصوصا وأن الخلافات دبّت بين أجنحة داخل الحزب، بالإضافة إلى ضعف شعبية رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك، وكثرة الأخطاء وتجاوز المسؤولين القوانين. وعلى الصعيد الأوروبي، سينعكس هذا الحدث على نحو سلبي، في ما يخصّ ظاهرة صعود اليمينين، المحافظ والمتطرّف، الذي أغراه نموذج "بريكست" لمغادرة الاتحاد الأوروبي. ... لم يعد جونسون وخطّه العام نموذجا سياسيا قابلا للاستيراد، بل يجري النظر بإمعان إلى الدروس المستخلصة من نهايته المدوّية والفضائحية فهلويا وكذّابا.

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد