المهمّة الأوروبية في البحر الأحمر

المهمّة الأوروبية في البحر الأحمر

24 فبراير 2024
+ الخط -

يدخل الاتحاد الأوروبي معادلة تأمين الملاحة في البحر الأحمر قوة دولية موحّدة، وذلك بعد إطلاق عمليته العسكرية أخيراً. ومع أن التحرّك الأوروبي تزامن مع التصعيد العسكري لجماعة الحوثي في البحر الأحمر، فإن تبنّي عمل مشترك لتأمين الملاحة خضع لتقديراتٍ مختلفة للدول الأوروبية، من اللجوء إلى خياراتٍ تناسب مصالحها، إلى مراقبة نتائج سياسة الولايات المتحدة لتأمين الملاحة، بما في ذلك عملياتها العسكرية ضد جماعة الحوثي. وإذا كان دخول الاتحاد الأوروبي خط أزمة البحر الأحمر قد فرضته عواملُ عديدة، فإن سعيها إلى فصل عمليته الحالية عن المهمة الأميركية وإدارة مستويات من التفاهمات البينية مع جماعة الحوثي لخفض تصعيدها لا يعني قدرة الاتحاد الأوروبي على تأمين الملاحة، وذلك في ظل السياسة الأوروبية المتواطئة مع الكيان الإسرائيلي، والتي تدفع إلى استمرار الصراع في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك أزمة الملاحة في البحر الأحمر.

تاريخياً، تتحرك القوة الأوروبية موحّدة أو منقسمة في مربع تأمين مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، بحيث يحدّد ذلك سياساتها الخارجية، وينعكس على طرق إدارتها الأزمات في مناطق الصراع وتدخّلاتها المباشرة وغير المباشرة. وبموازاة سياسات الدول الأوروبية، يتحرّك الاتحاد الأوروبي مظلّة موحّدة لإدارة شبكة مصالحه الاقتصادية، مقابل حرصه على تقديم نفسه قوة متوازنة في المعادلة الدولية، وأكثر مرونة في إدارة الصراعات من الولايات المتحدة. وبعيداً عن خطوط التقاء المصالح الأوروبية - الأميركية، اقتصادياً وسياسيا، وافتراقها، فإن الاتحاد الأوروبي، وبوسائل متعدّدة، يعضد من السياسة الأميركية في المنطقة، في إبقاء الصراع، واستثمارها. ويحضر ذلك في تعاطيه مع أزمات الشرق الأوسط وإدارته الملفّ النووي الإيراني، وطرق الاتحاد الأوروبي في تقييد نشاطها ونشاط وكلائها في المنطقة، إلا أن الموقف السياسي الرسمي للاتحاد من حرب الكيان الإسرائيلي على قطاع غزّة يتجاوز التعضيد السياسي إلى التوأمة في التوجّهات المعلنة في دعم إسرائيل، وفرض واقع جديد في الأراضي المحتلة، إلى الاستراتيجية العامة في منطقة الشرق الأوسط. ومع أن العقدة التاريخية الأوروبية حيال اليهود شكّلت محرّكاً لدعم الدول الأوروبية للكيان الاسرائيلي، على اختلافها وتفاوت أشكال هذا الدعم ونسبه، عسكريا وسياسيا، وماليا، إضافة إلى تقييد التعاطف الشعبي للفلسطينيين، بما في ذلك تجريم الاتحاد الأوروبي حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفرض عقوبات على قياداتها. ومن ثم، يعمل الاتحاد الأوروبي، بمنهجيةٍ، على تمكين الكيان الإسرائيلي من استمرار حربه في غزّة. إلى جانب ذلك، وهو الأهم، تبنّيه استراتيجية تطويق تداعيات حرب غزّة إقليميا، سواء بسعي فرنسا التسريع إلى عقد اتفاقية بين إسرائيل وحزب الله لترسيم الحدود البرّية، بهدف تقليص الجبهات الإقليمية التي يواجهها الكيان الإسرائيلي، أو تأمين الملاحة في البحر الأحمر، والتعاطي مع إيران ووكلائها، ومن ثم عزل حرب غزّة سبباً رئيساً لتوسّع الصراع الإقليمي.

ستواجه القوة البحرية الأوروبية صعوبات في تنفيذ مهمّتها المعلنة في البحر الأحمر

في مقابل التشابك السياسي في إدارة معادلة الصراع في الشرق الأوسط، تفترق السياسة الأوروبية - الأميركية في التعاطي مع أزمة الملاحة في البحر الأحمر إلى حدّ كبير، وإن كشف ذلك انقساماً أوروبيا في المقام الأول على مستوى الوسائل والخيارات في مواجهة تهديدات جماعة الحوثي، فمع تضرّر اقتصاديات أميركا جرّاء اضطرابات البحر الأحمر، واجهت الدول الأوروبية أزمة اقتصادية خانقة، لأهمية البحر الأحمر بوصفه شرياناً حيوياً بالنسبة للدول الأوروبية، ومن ثم أدّى استمرار تعطيل الملاحة إلى الإخلال بتدفقات سلاسل التوريد الغذائية إلى أوروبا وارتفاع أسعار السلع، إلى جانب الإضرار بتدفّقات الغاز المُسال إلى البلدان الأوروبية، كما أن تعليق معظم كبريات سفن الشحن الأوروبية عبورها في البحر الأحمر، والتفافها إلى رأس الرجاء الصالح لتجنّب هجمات جماعة الحوثي ضاعف من تكلفة الشحن، ومن ثم أحدث أزمة في الأسواق الأوروبية، فضلا عن الإضرار باقتصاداتها الصناعية المختلفة، وضاعف من الضغوط التي تواجهها الدول الأوروبية من شركات الملاحة التابعة لها، لدفعها إلى تبنّي موقفٍ أكثر حزما حيال تهديدات جماعة الحوثي. ومع أن دولاً أوروبية، كهولندا والدنمارك، انخرطت في التحالف العسكري "حماة الازدهار" الذي شكّلته الولايات المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لتأمين الملاحة في البحر الأحمر، إلى جانب تفضيل دول أوروبية أخرى، كفرنسا، الاكتفاء بنشاطها العسكري المستقل في البحر الأحمر، وقاعدتها العسكرية في جيبوتي، لتأمين حضورها في ممرٍّ حيوي بالنسبة لها، وحماية سفنها من أي تهديداتٍ محتملة، فضلا عن العمليات البحرية الأوروبية التي تنشط في المنطقة، فإن حالة التنافس الدولية وتأمين المصالح الاقتصادية دفعا الاتحاد الأوروبي إلى الدخول في معادلة البحر الأحمر بتشكيل قوة بحرية متعدّدة لتأمين الملاحة، وذلك لتثبيت موقعه السيادي قوة حماية أوروبية مستقلة عن الولايات المتحدة، إلى جانب تأمين سفن الشحن التابعة لها في أثناء عبورها مضيق باب المندب، ومن ثم يحرص الاتحاد الأوروبي على حماية مصالحه الاقتصادية من خلال اتّباع سياسة أكثر اتّزانا في إدارة أزمة الملاحة في البحر الأحمر وتقليص أضرارها.

يضاعف وصول أربع فرقاطات أوروبية، إلى جانب القوات الأميركية والبريطانية، من عسكرة البحر الأحمر، ويصعّد من المخاطر على حركة الملاحة

في حسابات الأضرار، لا ضرر إنسانياً وأخلاقياً أكثر من استمرار حرب الكيان الإسرائيلي على قطاع غزّة، ومضاعفة معاناة الفلسطينيين، بيد أن القوة الدولية من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي تقفز على هذه الحقيقة، عبر إدارة الجبهات الحيوية التي تتقاطع مع مصالحها، ومع أهمية تأمين الملاحة في البحر الأحمر، ستواجه القوة البحرية الأوروبية صعوبات في تنفيذ مهمّتها المعلنة، فعلى الرغم من تحديد الاتحاد الأوروبي مهمّتها أنها دفاعية تهدف إلى حماية سفن الملاحة، وتأمين عبورها في البحر الأحمر، ومن ثم محاولة عزل المهمّة الأوروبية الدفاعية عن العملية العسكرية الأميركية الهجومية، إلى جانب تأكيد عدم مشاركتها بأي عمليات عسكرية في اليمن تستهدف جماعة الحوثي، فضلا عن إرسال تطمينات إلى الجماعة وأيضا إلى حليفها الإيراني، على الرغم من هذا، يضاعف وصول أربع فرقاطات أوروبية، إلى جانب القوات الأميركية والبريطانية، من عسكرة البحر الأحمر، ويصعّد من مخاطر حركة الملاحة وطرق تأمينها، إضافة إلى صعوبة التزام البحرية الأوروبية بالخيار الأمني الدفاعي، أو الانتقال إلى العمل العسكري المباشر ضد جماعة الحوثي، في حال قامت بتأمين مرور السفن التابعة لإسرائيل أو الموالية لها في أثناء عبورها في البحر الأحمر، والذي قد يجعلها هدفاً لهجمات الجماعة، إضافة إلى تكريس استمرار حالة اللا أمن البحري، والذي يفرض على كل دولة مرافقة سفنها التجارية، فإن المحصلة هي مضاعفة أسعار الشحن والتأمين البحري، ومن ثم استمرار أزمة الملاحة في البحر الأحمر. ومع إسقاط الفرقاطة الفرنسية قبل أيام صاروخين لجماعة الحوثي، فإن المهمّة البحرية الأوروبية، وإن دخلت مسرح العمليات في البحر الأحمر، إلا أنها لن تنجح بما فشلت فيه أميركا وبريطانيا، إلا بوقف حرب الكيان الإسرائيلي على غزّة بحسب اشتراطات الجماعة أو أي تهدئة إقليمية، تضمن خفض التصعيد في المنطقة، ما لم تكن القوات الأوروبية هي الأخرى هدفا لصواريخ الجماعة وطائراتها.