الصّدع في حائط المبكى صار شرخاً

الصّدع في حائط المبكى صار شرخاً

28 مارس 2023
+ الخط -

على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة، تسوّد بياض هذه الزاوية الأسبوعية بثلاث مقاربات، على الأقل، تستطلع المتغيّرات المتسارعة على المسرح السياسي في دولة الاحتلال البغيض، في محاولات حذرة لفهم مآل مجريات ما يبدو تحوّلاً لا سابق له في بنية الدولة التي قامت، قبل 75 سنة، بالحديد والنار، لا سيما أن هذا التحوّل العميق لا يخاطب الإسرائيليين فحسب، وإنما يهم حاضر (ومستقبل) سائر دول هذه المنطقة وشعوبها، بمن فيهم الفلسطينيون على وجه الخصوص، وفي مقدّمتهم المبتلون بالاحتلال والاستيطان والاقتلاع، ناهيك عن التهميش والتمييز العنصري المقيت ضد عرب 48.
في المقاربة الأولى، غداة انتخابات الكنيست في نوفمبر/ تشرين الثاني، تحت عنوان "بيدها تجدع إسرائيل أنفها"، توقفت هذه الزاوية عند عجائب ما أفرزته جولة الانتخابات الرابعة خلال ثلاث سنوات، وقد جرت في أجواء منافسات محمومة بين اليمين المتطرّف واليمين الأشدّ تطرّفاً في مجتمع يواصل انجرافه نحو الفاشية، ولعل من بين أبرز تلك العجائب والغرائب أن الناخبين أعطوا الجنائيين والأشقياء والفاسدين أصوتاً ومقاعد نحو ضعفي ما أعطوه لما يُعرف بحزب رؤساء الأركان وكبار الجنرالات المتقاعدين، الأمر الذي شوّه الوجه القبيح أكثر من قبل.
وفيما كانت تتدفق الأنباء عن ردود أفعال صاخبة ومتصاعدة ضد ما جرى وصفُه انقلاباً على منظومة القضاء، شرع به المجانين الذين استولوا على المصحّة (وصف رئيس الحكومة السابق يئير لبيد) تعنون هذا الحيّز بتعبير مجازي لاذع "صدع في حائط المبكى"، في إشارة ذات دلالة رمزية على ما آلت إليه الحياة السياسية الإسرائيلية في أعقاب ما بدا أنه انشقاق عميق في المجتمع الذي راح بعض قادته، لا سيما من الكتّاب والجنرالات، يُنذرون بعضهم بعضاً من مآلات انقلابٍ محتمل، ويحذّرون من حربٍ أهلية، فيما استذكر كثيرون منهم سوابق خراب الهيكل، والفشل في عمر الثمانين، والانكسارات التي حفل فيها التاريخ اليهودي القديم.
اليوم، وبعد 12 أسبوعاً من التفاعلات والاحتجاجات المتلاحقة ضد انقلاب الصهيونية الدينية المتطرّفة على المجتمع المدني الأشكنازي وقيمه الليبرالية، وبلوغ الحالة الهستيرية نقطة اللاعودة، إثر امتداد النار إلى الهشيم الجافّ القابل للاشتعال، ونعني الجيش وقوات الأمن، يمكن القول إن إسرائيل قد دخلت إلى منعطفٍ محفوفٍ بالانزلاقات الخطيرة، خصوصاً بعد أن أعلن ضباط وحدات النخب العسكرية، من الطيارين والعسكريين النظاميين وفي الاحتياط، عصيانهم الأوامر، وعدم التحاقهم بالوحدات الخاصة بخدمتهم، حيث تظاهر مئاتٌ بالزي العسكري في الشارع، ضد استيلاء نتنياهو وحلفاؤه الفاشيون على ناصية السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولم يتبق أمامهم سوى السلطة القضائية، لاستكمال عملية الانقلاب الجارية الآن في سباق مع الزمن.
في واقع الأمر، هناك فيض من التفاصيل المتواترة عن تزايد حدّة الخلافات المتفاقمة وعمقها بين الجانبين، والمتجلّية على سائر المستويات في دولة المشروع الصهيوني الاستعماري الآثم، بمن فيهم المستوطنون الذين كانوا بمثابة خلية سرطان تغلغلت في نخاع عظام مجتمعٍ اختار أن يعيش على حدّ السيف، وهناك قراءاتٌ لا يتّسع المجال لعرضها في هذه العجالة، تحت عنوان "الصدع في حائط المبكى صار شرخاً"، وذلك مع تعمّق الصدع، وبلوغ الاحتجاجات حدّ التمرّد على الأوامر العسكرية، والوقوف على عتبة العصيان المدني، وهو ما يُشكّل نقطة تحوّل فارقة على هذا المسار، الذي دشّنته حفنة مجانين، أمثال بن غفير وسموتريتش وغيرهما من اللصوص والمحتالين، هؤلاء الذين أمسكوا برقبة نتنياهو جيداً جداً (هو كبيرهم) ودفعوا الدولة العبرية إلى هذا المآل، الذي يشي بكل ما لم يخطر على بال أحدٍ حتى الأمس القريب.
ومن غير الدخول من باب التوقّعات، والقراءات الرغائبية، والتمنّي لكلا الطرفين بالنجاح، يمكن القول من دون تحفّظات إن الدولة التي تقف على حائط الثمانين من عمرها، الموغل في الدماء والتوسّع والعدوان، هي اليوم أضعف من أي وقتٍ مضى، وأقل مناعة، رغم امتلاكها فائض قوة عسكرية مجرّدة، إن لم نقل إنها تقترب من حالة الدولة المنبوذة، البغيضة والمقزّزة، بعد أن سقطت في امتحان الديمقراطية المخادع، وملّ من سلوكياتها الوحشية الرأي العام في الغرب، الذي بات يراها قد صارت عبئاً ثقيلاً عليه، بعد أن كان ينظر إليها واحة ديمقراطية وحيدة في صحراء الشرق الأوسط، يتغاضى عن جرائمها ومجازرها المروّعة بحق الفلسطينيين، ناهيك عن احتلالها المديد.