الشعبوية واللاجئون السوريون في لبنان

الشعبوية واللاجئون السوريون في لبنان

18 مايو 2024

أطفال سوريون نازحون يلعبون في مخيّم في سعدنايل شرق لبنان (13/6/2023 فرانس برس)

+ الخط -

وصل تعامل الجهات الرسمية والسياسية والحزبية اللبنانية مع ملفّ اللاجئين والنازحين السوريين إلى دركٍ لم يصل إليه من قبل. فهو بالإضافة إلى الطريقة العشوائية، التي لطالما اعتمدتها السلطات اللبنانية في التعامل مع الملفّ من دون مراعاة أيّ حساسية في معالجة ملفّ حسّاس كهذا، وصلت الطروحات الشعبوية، أخيراً، إلى نقطةٍ لم يعد معها ضرر عشوائيتها وقصورها يطاول الملفّ والقضية فحسب، بل أصبح يطاول، حتّى أيّ إمكانية جديّة للمعالجة في المُقبل من الأيام، فالتفكير القاصر أوصلنا، اليوم، إلى نقمة شعبية مُتدحرجة بين اللبنانيين والسوريين، نقمة تكثّفت إمكانيات غليانها منذ أيام، حين دعا الأمينُ العام لحزب الله، حسن نصر الله، الحكومةَ اللبنانية إلى تسهيل أمر هجرة اللاجئين في البحر تجاه أوروبا.

لعلّه من المُجدي، في هذا المكان بالتحديد، التذكير بالقضية الأساس، وهي أنّ نصر الله وحزبه، ومن خلفهما إيران وحلفائها، يحتلّون أراضي ممتدّة في الداخل السوري، أي أراضي أولئك اللاجئين أنفسهم. وهو تذكير يريح القول، إذ يمكن اختصار القضية بأكملها في شروطها الأولى، التي تقول إنّ انسحاب قوات الحزب وإيران وحلفائهما من سورية يفسح المجال المنطقي، ويبدأ بتعبيد الطريق العملاني أمام دعوة السوريين إلى العودة إلى بلادهم، لا أن يتخطّى نصر الله ذلك، في التفافٍ واضحٍ ترجمه بدعوة الحكومة اللبنانية للسمسرة على ظهور اللاجئين، والإمعان في ابتزاز أوروبا بملفٍّ يحتاج حلولاً تقنية وعلمية، تتمتّع بحسّ عالٍ من المسؤولية الإنسانية والسياسية، والأخلاقية قبل كلّ شيء.

وفي المقلب الآخر، لطالما عملت السلطات اللبنانية على التغطية على هذا النوع من القضايا الشائكة والحسّاسة، بالعمل على حرف الأنظار عن النقطة الأساس، وتتمثّل، في هذا الملفّ، بانسحاب الحزب من سورية، لتعود وترمي الأمر في غرفة العناية الشعبية عرضة للمقاربات والمزايدات اليمينية والفوقية العنصرية والشوفينية كافّةً، التي تزيد المشكلة تأزّماً، بينما تعمل هي في الخفاء على استثمار الأزمة، وليس معالجتها، سيّما أنّ تاريخ الأحداث والصراع السائد، اليوم في المنطقة، قد تخطّى ذلك، إذ تحوّلت حلول البارحة أزماتٍ اليوم، فضلاً عن أنّ كمّية التأزيم الإقليمي تحتاج، أولاً وأخيراً، إلى المساهمة الجدّية في وقف التأزيم الداخلي، في هذا الملفّ وفي غيره، بطرق علمية وعقلانية أيضاً، وأيضاً. ولذلك، البحث الممكن والمجدي، اليوم، في ظلّ هذا الانسداد التامّ أمام كل الملفات، بسبب تأزم الوضعيْن الداخلي والدولي، يُلزم نصر الله، قبل غيره من القيادات اللبنانية، سحب الفتيل التفجيري واستبعاد الحلول الشعبوية المطروحة على الطاولة، خصوصاً التي لم تعد تأتي بثمارها، تلك التي يسارع الجميع إلى التكلّم عنها على عجل، من دون التفكير في تداعياتها التي ستزيد الكارثة، في دولةٍ لا تمتلك القرارات المصيرية بيدها، وفق كلام رئيس الحكومة نفسه، وفي ظلّ حكومةٍ لا تتمتّع بأدنى مقوّمات الشرعية الدستورية.

الخناق يضيق على لبنان أكثر فأكثر، بأيدي اللبنانيين أنفسهم، وليس بمؤامرة دولية عليهم

اليوم، وبعد كلام نصر الله، ومطالبته برمي السوريين في البحر، والاستثمار على ظهرهم، ولو بلغة وتعابير مخفّفة، والصمت المُدوّي إزاء تصريحٍ كهذا، سيحمّل الحكومة تبعات كلّ محاولة هجرة غير شرعية عبر البحر، إن كانت تعلم بها، وإن كانت لا تعلم. إذ سينظر المجتمع الدولي إلى أيّ قارب هجرة بحريّة بمثابة قرار تتحمّل السلطات اللبنانية مسؤوليّته، وقد جرى بمعرفتها وبموافقتها وبتسهيلٍ منها، فهل هذا ما تريده الحكومة حقاً، في وقت يحاول رئيس الحكومة استدرار العطف الدولي والعربي لمساعدة لبنان؟... كما أنّ كلام نصر الله يفاقم، في مجال آخر، النقمة بين السوريين واللبنانيين، إذ ستصل إلى مجالاتٍ احتقانية لم تصل إليها من قبل، ويمكن أن تُترجمَ بمواجهاتٍ داخلية لا تُحمد عقباها، لانسداد أيّ إمكانية لمعالجة هذا الملفّ على نحو علمي وانساني وسياسي. نقمة من دون أيّ صرافة تساهم جدّياً في حلّ هذه القضية التي تحتاج إلى حلّ. أو هي، بتوصيف لبناني آخر، "نقمة ببلاش، ومن دون أيّ مردود عملي".

 الكلام الارتجالي سيضع لبنان أمام مشكلات جديدة من نوعها أمام المجتمع الدولي، وأمام الاتحاد الأوروبي، وأمام الشرعية الدولية، إذ لن تقف تداعياتها على الداخل اللبناني فحسب، بل يمكن أن تمتدّ لتطاول المهاجرين اللبنانيين، كما أنّ من الممكن أن تزيد القبضة الأمنية والتضييق الدولي على أيّ من المهاجرين اللبنانيين في القادم من الأيام. هذا كلّه، يظهر أنّ الخناق يضيق على لبنان أكثر فأكثر، بأيدي اللبنانيين أنفسهم، وليس بمؤامرة دولية عليهم. وأولئك الذين كانوا يريدون الخلاص من هذا الملفّ بكلّ الأشكال الشعبوية والتلفيقية العشوائية المُتسرّعة الممكنة، سيضعهم سير الأحداث وتداعياتها أمام التسريع في حلول لا يريدونها، لأنّ قصر النظر يساهم في تحقيقها، خصوصاً في غياب عقل استراتيجي يدير الواقع السياسي اللبناني، بل تُرانا نعود مرّة جديدة إلى البداية، إلى عقل يفتقد أبسط شروط التعقّل والمعقولية والعلمية في طرح القضايا، والملفّات السياسية والإنسانية الحسّاسة. عقل يريد أن يقولب القضايا على قياسه، لأنّه يريد التهرّب من معالجتها. عقل يفسح الطريق أمام عالم العشوائية المطلقة، التي لن تكون نتائجها إلا وبالاً لن يدفع ثمنه هؤلاء الذين يتمتّعون برؤوس حامية فحسب، بل أولئك الذين لا علاقة لهم بالرؤوس الحامية، لا من قريب ولا من بعيد.

باسل. ف. صالح
باسل. ف. صالح
كاتب لبناني، أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية