مخاوف من وقوع آثار الخلافة العباسية تحت رحمة داعش

مخاوف من وقوع آثار الخلافة العباسية تحت رحمة داعش

28 يوليو 2014
المئذنة الملوية من معالم العراق المميزة / الاناضول
+ الخط -
شدّدت قوات الأمن العراقية إجراءاتها في محيط الآثار العباسية والمزارات الشيعية في مدينة سامراء في محافظة صلاح الدين (في الشمال)، وسط مخاوف من استهدافها، فيما حذّر أثريون من إمكانية تعرّض المتحف العراقي في الموصل وآثار نينوى (في الشمال) للتدمير.

وفي حديث لوكالة الأناضول، أبدى المسؤول في هيئة آثار سامراء، عمر عبد الرزاق، مخاوفه من "استهداف تلك الآثار العريقة في المدينة إذا حدث أيّ إشكال أو اشتباكات داخل المدينة".

وتردّدت أنباء عن استهداف مزارات وأديرة شيعية ومسيحية في محافظة نينوى (في الشمال)، بعد سيطرة داعش على المحافظة أخيراً.

ويحتضن العراق مئات الآلاف من المواقع الأثرية التي تعود إلى عصور بعيدة، سُرِقَت منها أغلب القطع الثمينة خلال وبعد غزو العراق في عام 2003. وتضمّ سامراء أهم تلك الآثار، وأبرزها مئذنة "الملوية"، وقصر "الخلافة العباسية"، وقصر "المعشوق" ومئذنة "أبو دلف"، و"تل الصوان"، وآثار أخرى تعود إلى عصر الخلافة العباسية، إلى جانب آثار تعود إلى ما قبل الإسلام، في عهود مسيحية ويهودية.

وبنى سامراء الخليفة، أبو إسحاق محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور، ثامن الخلفاء العباسيين، في عام 835 م - 221 هـ، لتكون عاصمة دولته. وقد حرّف اسمها القديم (سرّ من رأى). وهي تعتبر إحدى أهم المدن الإسلامية، لا سيما أنّها تضمّ مرقد الإمامين العسكريين، علي الهادي والحسن العسكري، وهما من بين أهم أئمة الشيعة الاثني عشرية، وهو ما يزيد المخاوف من استهداف تلك الآثار.

وفي 6 من يونيو/ حزيران الماضي دخلت عناصر من داعش مدينة سامراء واحتلّت عدداً من أحيائها في الجهة الشرقية من المدينة، ورفعت رايات التنظيم على عدد من المباني الحكومية، قبل أن تعيد قوات الأمن بسط سيطرتها على المدينة.

وقد تمكّنت جماعات مسلحة، وأبرزها داعش، من فرض سيطرتها على مساحة واسعة، منذ مطلع العام على شمال وغرب العراق، وهو ما يجعل سامراء، التي تقع في الشمال على بعد 120 كلم عن بغداد، مركزاً للصراع بين أطراف متعددة.

وعلى طول الطريق من العاصمة بغداد إلى سامراء، وهو الطريق الذي يسيطر عليه الجيش ومليشيات شيعية، فإنّ الوضع يبدو أكثر هدوءاً مما هو عليه الطريق الذي يلي سامراء، ويربط البلاد نحو الشمال. وهو الطريق الذي يتصارع الجيش والمسلحون عليه بهدف السيطرة على تكريت ثم المدن التي تليها، وصولاً إلى الموصل.

وبحسب مصدر أمني في شرطة سامراء فإنّ "مركز المدينة وأطرافها تحت سيطرة الجيش العراقي والشرطة الذين استقدموا من الناصرية والبصرة (في الجنوب)، إضافة إلى مليشيات مثل "سرايا السلام" (الجناح العسكري للزعيم الشيعي مقتدى الصدر)، و"منظمة بدر" (تابعة لرئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم)، و"عصائب أهل الحق"، و"حزب الله" و"النجباء".

فيما يقول زعماء شيعة: إنّ تلك القوات هي لحماية المقدسات. وتشارك إيران في تلك الحماية، إذ تعلن وسائل الإعلام التابعة لها بين الحين والآخر مقتل ضبّاط من عناصرها في سامراء.

وفي حديث لوكالة الأناضول، قال أستاذ في كلية العلوم السياسية في جامعة تكريت، محمد حسين، إنّ "سامراء هي أكثر المناطق اضطراباً، رغم أنّها لم تسقط في يد المسلحين، لكنّها ستكون في قلب المواجهة، وذلك لمكانتها لدى الشيعية، وأيضا لدى السنّة. فهي مدينة سنيّة بارزة وتضم أهم الآثار التابعة للطائفة".

وأضاف: الشيعة اليوم يعتبرون أنّهم قد أحكموا سيطرتهم عليها رغم أنّ المناطق المحيطة بها لا تزال بيد المسلحين، وتشهد معارك ضارية لغرض السيطرة. وفي حال استعادت القوات العراقية السيطرة على مدن شمال وغرب العراق، فإنّ التغيير الديموغرافي سيبدأ في سامراء، وإذا لم تستعدها فإنّ المعركة الأعنف في حال تقدّم المسلحون ستكون على أرضها. والحشد الذي تقوم به الحكومة العراقية هناك يدلّ على أهميتها، كذلك عدم اختراقها من مسلحين انتشروا في مدن محيطة بها.

واعتبر قائمقام سامراء محمود خلف، في حديث لوكالة الأناضول، أنّ "أهمية سامراء الدينية والتاريخية وموقعها الاستراتيجي القريب من بغداد وتوسطها الطريق نحو شمال العراق جعلها أخيراً موقعاً عسكريّاً". 

ورغم شدّة الخوف من الوضع والاضطرابات الجارية في البلاد، يبدي سكان سامراء انزعاجهم من تلك الإجراءات. فخالد البدري، وهو تاجر ملابس في حيّ القادسية وسط سامراء، قال لوكالة الأناضول إنّه "منزعج من تلك الإجراءات ومتخوّف على مصيري ومصير عائلتي". وأضاف: كل الطرق التي توصلنا إلى إقليم شمال العراق الأكثر أمنا وقعت بيد المسلحين. والجيش يشتبك معهم"، واستدرك بأنّ "الجيش والشرطة والمليشيات ينتشرون في سامراء بشكل مخيف".

وأشار البدري إلى أن "مليشيا سرايا السلام وزّعت قبل أيام التمر قبل الإفطار على سكان سامراء في محاولة لاستعطافهم، وتبليغهم بأنّهم ليسوا في حرب معهم، بل إنّ مليشيات أخرى تعتدي على بعض السكان في أطراف المدينة. وهذا يزيد المخاوف".

وفي الموصل حذّر أثريون التقتهم وكالة الأناضول من إمكانية تعرض المتحف العراقي في المدينة، وآثار نينوى (410 كلم شمال بغداد) للتدمير، سواء على أيدي مسلّحي داعش أو بسبب عمليات عسكرية تعتزم القوات الحكومية شنّها ضدّ هؤلاء المسلحين المتمركزين في المدينة.

وقال خبير الآثاري، عبد الله حامد، في حديث لوكالة الأناضول إنّ "الآثار العراقية في نينوى إرث حضاري عالمي، يجب على الجهات الدولية والحكومة العراقية توفير الحماية له وعدم اعتماد القصف العشوائي على مدينة الموصل خلال العمليات العسكرية المتوقّعة. وتعرّض أي من تلك الآثار للتدمير سيشكّل خسارة لا تقدر بثمن للإنسانية جمعاء، ناهيك عن أنّ تقييم تلك الآثار من الناحية المادية صعب للغاية، على اعتبار أنّ تلك الآثار تمثّل خصوصية كبيرة للموصليين".

ودعا مدير المتاحف في وزارة السياحة والآثار العراقية، قيس حسين، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) إلى "تشكيل لجنة لحماية الآثار العراقية في مدينة الموصل إسوة بما فعلته المنظمة مع آثار سوريا". وأشار إلى أن "الوزارة تلقّت رسائل إيجابية من المنظمة بهذا الشأن، ولا تزال تراقب الموقف في المدينة، وأيّ من تلك الآثار لم يتعرّض لأيّ أذى حتى الآن".

غير أنّ الخبير الأمني أحمد الشريفي رأى أنّه "من الصعب الحفاظ على آثار نينوى في حال حدوث اجتياح عسكري واسع لمدينة الموصل من قبل القوات العراقية، لا سيما مع استخدام الأسلحة الثقيلة التي يكفي دويّ انفجارات قذائفها للإضرار بالآثار".

ولفت الشريفي في حديث لوكالة الأناضول إلى أنّ "معظم خطوط الطيران الجوي تكون بعيدة عن أيّ مناطق أثرية، خشية تأثير أصوات تلك الطائرات وتردّداتها العالية على الآثار. فكيف الحال إذا ما تم استخدام المدافع والقصف العشوائي في المدينة القديمة".

لكنّ المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، العميد سعد معن، قال إن :قوّات الأمن حريصة على الحفاظ على آثار نينوى"، واستبعد في الوقت ذاته "إمكانية تعرّض مواقع الآثار إلى التدمير خلال العمليات العسكرية المرتقبة هناك". وأوضح معن أنّ "قوّات الأمن العراقية لديها مخاوف من أن تتعرّض تلك الآثار للتدمير على يد داعش"، ودعا المواطنين إلى "الحفاظ على هذا الإرث الإنساني كونه يمثّل هوية المدينة".

وتأسّس متحف الموصل في عام 1952، ويضمّ 4 قاعات للآثار القديمة والآشورية، والحضرية والإسلامية. كما أنّ مدينة الموصل تضم أكثر من 1600 موقع أثري، أهمها آثار مدينتي "الحضر" الأثرية التي تبعد 70 كلم جنوب غربي الموصل، و"نمرود" التي تقع وسط الموصل. وقد اتّخذها الملك الآشوري، شلمنصر الأول، عاصمة ثانية للإمبراطورية الآشورية في عام 1273 قبل الميلاد، بعد العاصمة الأولى "آشور". 

المساهمون