"سعد وخواته": دراما تقبض على روح النص المفقود

"سعد وخواته": دراما تقبض على روح النص المفقود

14 ابريل 2015
مشهد من مسلسل "سعد وخواته" (العربي الجديد)
+ الخط -
لطالما كانت المسلسلات الخليجية بحاجة لحكاية تمضي حبكتها، بسيطة كانت أو معقدة، على نحو متصاعد ومحكّم نحو ذرى متعددة من الغموض التشويق والتأزم. حبكة تقوم على الحدوتة المسلية من دون أن تبدو مكبلة بتراجيديا مغرقة بالبكائيات، أو أسيرة دائرة ضيقة من العلاقات العائلية، وما يرتبط بها من صراعات تقليدية تدور داخل الجدران.

وبطبيعة حال الدراما الخليجية وضوابط العمل فيها، لم يكن مطلوباً من هذه الحدوتة أن تخرج إلى الشارع لتنهل منه وقائعها، لتؤكد فاعليتها واختلافها، بقدر ما كان مطلوباً منها أن تنجز تنويعات درامية ضمن دائرة العائلة ذاتها، عبر صياغة مبتكرة لبنية درامية جديدة، وهذا ما حققه بالفعل "سعد وخواته".

يكتشف سعد الموظف البسيط في السعودية، والمطوق بالديون والقروض، أن ثروة كبيرة تنتظره في الكويت، خلّفها له والده المتوفى، وأنّ عليه الانتقال إلى هناك ليقوم بإدارة ميراثه من مال وشركات، لكن سرعان ما يكتشف أنّ والده أورثه مع المال أربع شقيقات عليه تولي المسؤولية عنهن أيضاً.

إلاّ أن الشقيقات الأربع، سيكن حجة العثرة الأول في طريق سعد، فهن مثله، لا يعرفن أنّ لهن أخاً، وحين يتعرّفن عليه لن يعني لهن حينها، سوى أنّه القادم من المجهول ليستولي على ميراثهن، الأمر الذي سيضرم رحى معركة بين سعد وشقيقاته. تزيد جذوة الصراع فيها العمة مريم خالة البنات، وذلك الصراع سيفتح بدوره أبواباً كانت مغلقة على عالم الوالد المتوفى المجهول، لتتكشف خلفها حقائق تأخذ سعداً نحو مسارات حافلة بالتحديات والكثير من المفاجآت.

الحكاية على هذا النحو، أنجزها كل من سماء تانسي وعرفان ساروخان، وقام بمعالجتها درامياً، السيناريست عادل الجابري، الذي يبدو أنه قام بالتعاون مع المخرج سائد بشير الهواري، بتلبيس النص عباءته الخليجية، ليقدّما لنا مسلسلاً اجتماعياً مشوقاً تستولي تفاصيله على انتباهنا، وتقبض على روح النص المفقود في الدراما الخليجية، من دون أن يعني ذلك أنّه لم تفر من بين أصابعه، أي المسلسل، ما أوهن النص من دون أن يفقده امتيازه باختراق السائد.

ترتيب الأحداث كما اقتضتها حبكة العمل، بدت تمضي بمنطقها الداخلي، فتتطور كنتيجة لصراع الإرادات وما ارتبط به من فعل وردّ فعل متبادل بين سعد من جهة وشقيقاته الأربع وخالتهن وزوج الأخت، ماجد من جهة أخرى. لكن العلاقة بين الشخصيات والأحداث بدت ضعيفة أحياناً، لنتابع على سبيل المثال حادثة قيام الشقيقات الأربع بسرقة عيّنة من سعد، لإجراء اختبار فحص الحمض النووي، والتأكد من صلة قرابته بوالدهن المتوفى.

فتلك الحادثة، وبمنطق أبطالها، كان ينتظر أن تكون مساحة صراع درامي جديد، بعيداً عن ذلك المباشر الدائر بين الشقيقات الأربع وسعد. وكان يفترض بها أن تكون مشحونة بالانفعال حتى في لحظات الصمت فيها، إلاّ أنّ ذلك لم يحدث، واقتصرت المعالجة الدرامية لها على حوار يكشف حالة التوتر التي أصابت الشقيقات في الليلة التي سبقت يوم ظهور النتائج، والذي يفترض أن يبلغ حدّه الأكبر مع اكتشاف نتيجة الاختبار، وهذا ما لم يحدث، بل وكان محبطاً للغاية أن نسمع واحدة من شقيقات سعد تتكلم كيف جافى النوم عيونها شوقاً لمعرفة النتيجة، ثم نراها في الصباح تحمل تلك النتيجة الموعودة، وتعود بها إلى البيت، من دون أن تطلع عليها!


مثل تلك الصياغات الدرامية، حكمت على مسلسل "سعد وخواته" أن يأتي، خلافاً للمتوقع، بحبكة بسيطة تتكّون من حدث درامي واحد، هو ذلك الذي يتعلق بسعد ورحلته، ابتداء من علاقته بشقيقاته، مروراً بمحاولة كشف عوالم والده المجهولة وصولاً إلى فك رموز أسراره.

أما الأحداث الفرعية التي يفترض أن يكون أبطالها الشقيقات الأربع، فبدت تغذي الحبكة الرئيسية للعمل فقط، دون أن تمتلك القوة المحركة لحدثها الذاتي، فكانت بمعظمها تمضي لتدخل في مسار بطل الحدث الرئيسي وتصطدم معه، بما يمنحه قوة محركة إضافية.

ذلك الدور للأحداث ليس عيباً في الدراما التي تقوم على الحبكة البسيطة، ولكنه في مسلسل "سعد وخواته" سيبدو عيباً ما دام البناء الدرامي المفترض للحكاية، يؤهلها أن تكون بحبكة معقدة ومحكمة، وتلك قناعة تعززها المواصفات السوسيولوجية والسيكولوجية لشخصيات ثلاث من الشقيقات الأربع هن أحلام وعبير وهلا، والتي تؤهلهن للقيام بوظيفة درامية جديدة بعيداً عن الصراع الرئيسي مع سعد، أكثر نضجاً وتعقيداً من وبدائية الصراع الذاتي الذي يعشنه.

الصورة على هذا النحو، لا تقلّل من شأن "سعد وخواته"، فهذا الأخير يؤسس بحكايته، بشكلها الذي تابعناه لدراما اجتماعية خليجية حافلة بالتشويق، وكثير من الترقب لمعرفة تحولات الحدث الدرامي فيها، بكل ما يمتزج ذلك الترقب من متعة الاكتشاف. أليست تلك هي الدراما المنشودة كما نتوق لرؤيتها!

وكعادته يؤكد مخرج العمل سائد بشير الهواري أنه من أهم مخرجي الدراما الخليجية، ومنذ بداية مشاهد عمله يبدي الرجل قدرته على تحريك الكاميرا، والتنويع بين لقطاتها بما يتناسب والفعل الدرامي في كل لقطة منها، بما لا يدع شكاً بأنه يمتلك حساسية عالية في التعامل مع الوضعية المشهدية لحكايته، إلاّ أنّ ميله لأخذ لقطة الزاوية العليا في بعض المشاهد لم يكن موفقاً كل مرة، وخانه أحياناً التوليف المونتاجي.

يسجل للمسلسل أيضاً، ما يمكن تسميته مجازاً، حالة إنعاش لنجومية بطله الفنان حسن عسيري، لا سيما أنّه يعود إلى الدراما الاجتماعية بعد سنوات طويلة من عمله في الكوميديا. كما يحسب للفنان علي محسن خفة ظل حضوره، وقد أدى شخصية ماجد، الشريرة، بمزيج من الكوميديا غير المفتعلة، فيما برزت الفنانة شهد ياسين من وسط الوجوه النسائية للعمل، إضافة إلى الفنانة باسمة حمادة.

إضافة إلى النجوم السابقين شارك في تجسيد شخصيات العمل سليمان الياسين، ريم أرحمة، شيلاء سبت، أبرار سبت، محمد رمضان، عبد الله السيف، مي عبد الله، فرح، سعيد صالح، هند محمد ومن مصر ميار الببلاوي.

المساهمون