قرية تكرونة التونسيّة شاهدة على حضارة الأمازيغ

قرية تكرونة التونسيّة شاهدة على حضارة الأمازيغ

19 سبتمبر 2014
لا يوجد ترجمة عربية لاسم تكرونة (الأناضول)
+ الخط -

بين من يقول إن التونسيين يتحدرون من أصول أمازيغية، وبين من يعتبر أن الأصول العربية هي الأقوى، يحاول الأمازيغ أن ينتزعوا اعترافاً بأنهم مكوّن أساسي من مكونات المجتمع التونسي، على الرغم من جميع المحاولات لطمس تاريخهم وهويتهم منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

تمسك الأمازيغ بهويتهم وبأرضهم وبلغتهم، وحافظوا على تراثهم ولعل أبرز المواقع الأثرية المتبقية من الحضارة الأمازيغية في الشمال التونسي هي قرية "تكرونة" التي تتميز عن بقية المواقع الأمازيغية الأخرى التي اندثر بعضها ولم يعد له أثر، بموقعها فوق تلة صخرية صلبة حافظت على تماسكها وصمدت بوجه العوامل الطبيعية والبشرية.

تلتصق المنازل القديمة بعضها ببعض، على مستويات مختلفة الارتفاع، لتشكل معاً القرية الأثرية التي تبدو منحوتة في الصخر بشكل يخطف أنظار المارين، وبسبب موقعها هذا، بات عدد من أبنيتها مهجوراً نظراً لصعوبة ترميمها.

حافظت تكرونة على اسمها الأمازيغي حتى يومنا هذا، حيث لا يوجد ترجمة عربية لاسمها هذا، وتبعد 5 كيلومترات عن مدينة النفيضة التابعة لمحافظة سوسة، وحوالي 100 كيلومتر الى الجنوب من العاصمة تونس، تحيط بها بساتين زيتون وأراض زراعية واسعة من مختلف الجهات، ولا تزال تسكنها بعض العائلات الأمازيغية التي لا تزال تحاول التشبث بأرض أجدادها على الرغم من الأحداث التي عاصرتها وعلى الرغم من جميع المحاولات لطمس هويتها.

تعد القرية اليوم وجهة سياحية مميزة، بعد أن كانت في القرن الماضي موقعا عسكريا استراتيجيا، يمكن الوصول إليها على الأقدام من خلال صعود أدراج تحيط بها الصخور الكبيرة ونباتات الصبار، كما يوجد مسالك أخرى تشكل مداخل ومخارج للقرية يعرفها سكانها جيداً، وجميع هذه المسالك تقود الزائر الى اعلى القرية حيث يوجد ضريح "سيدي عبد القادر" الذي يلقبه السكان بـ "الولي الصالح". جمال القرية نفسها وجمال المنظر الذي تطل عليه من أعلى جعلها أيضاً احد المواقع التي يقصدها صناع السينما والدراما، كما تعد القرية أيضاً قبلة للتظاهرات الثقافية والرحلات الترفيهية لا سيما في فصل الربيع، حيث تزدان القرية بالأزهار التي تحيط بالمباني فتزيدها جمالاً.

تقول السيدة أم محمد التي ورثت مسكنها في القرية أباً عن جد:" إن توافد السياح أسال لعاب رجال الأعمال والمستثمرين الذين أقبلوا على شراء المنازل القديمة والمهجورة بقصد تحويلها الى مشاريع سياحية وثقافية مربحة" خاصة وأن معظم سكان القرية قد غادرها بسبب الظروف المعيشية القاسية وقلة فرص العمل، فضلا عن صعوبة الحصول على المياه الصالحة للشرب في أعلى التلة وصعوبة التنقل بين المسالك الوعرة.

لا تزال القرية تحتفظ بالعادات الأمازيغية وبالمطبخ الأمازيغي، حيث لا تزال نساء القرية تخبز خبز الطابونة، (الطابونة عبارة عن فرن تقليدي مصنوع من الطين)، بالإضافة الى طهي الأكلات الشعبية كالمحمصة والكسكس، التي تصنع في البيوت من مشتقات الحبوب.

يذكر أن الأديب التونسي الطاهر قيقة هو أحد أبناء تكرونة، وقال عنها في حديث صحفي نشر في العام 1990:" ''تكرونة هي الجبل، هي الريف، هي الجامع والزاوية والمقبرة، والصخور المتناثرة بين المنازل تذّكر أهل القرية بالشدّة والصلابة التي جبّلوا عليها مع الأنفة وعزّة النفس. والشموخ. تكرونة هي المنبت. هي الذكرى. ووالدي –رحمه الله – هو الأصل. هو المدرسة. هو الذي علّمني الحياة''.

تستمر تكرونة ويستمر أهلها في الحياة فيها على الرغم من قساوتها، لتكون واحدة من آخر المواقع التاريخية التي ترمز الى حضارة الأمازيغ في منطقة المغرب العربي.

المساهمون