4 أغنيات جديدة لأحمد قعبور:ويناديكم أيضاً للفرح بالحياة

4 أغنيات جديدة لأحمد قعبور:ويناديكم أيضاً للفرح بالحياة

23 يوليو 2014
أحمد قعبور
+ الخط -
في 4 أغنيات دفعة واحدة يستكمل الفنان اللبناني، أحمد قعبور، مسيرته الغنائية الخاصّة والبعيدة عن "السوق"، بشقّيه: التجاري الربحي، والتسويقي الذي يلهث وراء الشهرة.

فهذا الكاتب والملحّن والمطرب مصرّ وعنيد، بطريقة محبّبة، على أن يمشي على طريق خاصّة، وإن كان وحيداً، أو كانوا قليلين يعرفون تلك الطريق، من المغنّيين. رغم أنّ جمهوره كبير في لبنان والدول العربية.

في أغنياته الأربع الجديدة يستكمل تاريخاً شخصيّاً. فهي أغنيات على خطى "جيبوا الطرحة لبيروت" التي قدّمها في الثمانينيات، وأغنيات خاصّة بشهر رمضان، منها "علّوا البيارق" و"توتي توتي خلصت الحتّوتة". وبواسطتها يستمرّ أحمد قعبور في رسم صورة لأعماله تشبه شهر رمضان نفسه، وليس صورة الشهر التي نعرفها هذه السنوات. تلك الحائرة بين الاستهلاك، بمعنى تحويله إلى شهر للإسراف في الطعام والشراب والتدخين والنراجيل، وبين الخمول أمام شاشات الدراما والمسلسلات العربية.

رمضان أحمد قعبور هو صورة عن رمضان الحنين إلى زمن مضى، رمضان الحميمية العائلية، والحنين إلى الجدّات والأهل، الزمن البيروتي العتيق، لكن ليس إلى درجة النسيان.

لا شكّ أنّ "ددم دم دم دم" أخذت "الرهجة" الأكبر لأنّها حُظِيَت بفيديو كليب وبشاشة تلفزيون "المستقبل" الذي يعيد بثّها طوال اليوم (مرفق الفيديو). لكنّ الأغنيات الثلاث الأخرى "بكرا العيد" و"أهلنا" و"رمضان غنّولوا" لا تقلّ أهمية، في الكلمة واللحن والغناء والموضوع.

أنجز قعبور الأغنيات الثلاث الأخرى لصالح جمعيات ومؤسسات خيرية. تماماً كما يفكّر في شهر رمضان. فـ"أهلُنا" قدّمها إلى جمعية "أهلُنا" في صيدا، التي ترعى العجائز والمُعدَمين. و"رمضان غنّولوا" قدّمها إلى "مؤسسة مخزومي" الخيرية، و"بكرا العيد" قدّمها إلى "دار الأيتام الإسلامية"، التي يقدّم لها ومن خلالها أغنيات بشكل دوريّ.

4 أغنيات تعيد إلى الأذن اللبنانية، والعربية، أجواء العائلة، وقيم المحبّة وتعلي من شأن الذكريات والأهل والعجائز. فهناك الجدّة التي "كانت ستّ الستّات" في أغنية "بكرا العيد". أحفادها يسألونها: "قولي يا ستّي لما كنتِ زغيرة شو كنتِ تغنّي". واحدة من أجوبتها: "لمّا خلق أبوك بتقول خلق أمير، وشو سمعنا مبروك، من البسطة للبربير، زنودو قشطلية، خدودو مهلّبية". هكذا يعيد القشطلية والمهلّبية إلى خلطة مع البسطة والبربير.

والأطفال يغنّون حول جدّتهم "بكرا العيد ومنعيّد، وبقرتنا رح بتولّد، وجارتنا في عندا ولاد، وما في عندا تياب جداد، وجوز الجارة كندرجي، وصبّاطو صاير فرجة". وهنا يخلط أحمد قعبور الفقر بالفرح "جوز الجارة كندرجي، وصبّاطو صاير فرجة". ويخلط التاريخ بالحاضر، فهل هناك "كندرجي" بعد؟ والمغنية الأساسية هي الفنانة أمل كعوش، الناشطة الفنية والتي تخوض تجربة الغناء مع قعبور.

في أغنية "رمضان غنّولوا"، كما في أغنية "بكرا العيد"، الأطفال هم أبطال الأغنية، أو على الأقلّ هم "الكورال" المفضّل لدى القعبور. والكلمات مليئة بالدعوة إلى الأمل "حيران شوف الي اهتدى، ضجران غنّي لحدا، عطشان نادي للندى، مش وحدك العطشان". بكلمات بسيطة يقول قعبور للعطشان إنّه ليس وحيداً، وللضجران أن يغنّي، وللحيران أن يهتدي. بكلمات خفيفة الظلّ وخالية من التكلّف، وبعيدة عن الأيديولوجيا، دينية كانت أو سياسية، يعطي مفاتيح الفرج للمستمع.

وتضيف الأغنية "عالأرض في ناس وفلا، في ورد يحني للصلاة، بستان بيقلّك هلا، مش لحدا البستان". جملة "مش لحدا البستان" تذكّر بأغنية "نحنا الناس" التي من كلماتها الجميلة "شوارع المدينة مش لحدا، شوارع المدينة لكل الناس". هو هكذا، فنان مهجوس باستمرار بتعميم الفرح، وتعميم الشوارع والبساتين ومحاربة الضجر والحيرة، وتحويل العطش إلى "حالة عامة" كي لا يشعر العطشان بعطشهِ وحيداً.

أما أغنية "أهلُنا" فبصوت الطفلة رشا الرفاعي، التي غنّت مع قعبور من قبل. هي المغنية الرئيسية، "solo". بصوت أخّاذ تقدّم تحية إلى الأهل والعجائز "صحاب البيت وأهل الدار، أهلُنا، إن كنتوا كبار وكنتوا زغار، أهلُنا، المقهورين ومنسيين، المنسيين سنين سنين".

وإن كانت أغنياته بلا مقدّسات غير الأخلاق والقيم المجتمعية المتّفق عليها، إلا أنّ قعبور دائماً يدعو إلى الوفاء لكبار السنّ "الله موصّى بسابع جار والجيرة مدد، مهما دار الدهر وجار إنتو أهل البلد". فهل في المدن التي نعيشها بَقِيَ فيها جيران يعتنون ببعضهم بعضاً؟ هل هو رثاء لزمن "الله وصّى بسابع جار؟" الذي انتهى؟ وهل حين يدخل الحنين إلى قيم ما في الأغنية، يكون قد غادر الواقع؟

نعم في أغنيات أحمد قعبور ما زال هناك من يسأل "شو بتعني كلمة إنسان، إن كنتوا بطيّ النسيان"، مخاطباً من صاروا عجائز "شوفوا السنابل بتتغاوى بأرضها، وقت الشدايد بتتكي على بعضها". ودائماً بموسيقى فَرِحَة، بلا بكائيات.

وحين تسأله، خارج الأغنية، عن سرّ استخراج الفرح من مواضيع تعوّدنا أن نقاربها بحزن، ولطالما استمعنا إلى أغنيات حزينة عنها، يجيب بصوت رقيق "لماذا دائماً يجب أن يقترن الدين ورمضان بالحزن؟ ولماذا تعليم القيم الجميلة يجب أن يمرّ دائما بالعبوس؟".

في الجانب الموسيقي يفتخر قعبور بأنّ الأغنيات الأربع، كما أغنياته كلّها، مسجّلة بطريقة محترفة "الآلات كلّها أصلية"، وليست على طريقة "الآلات بالأورغ". وهو فخور بأنّه في زمن التطرّف، بين التطرّف الديني والسياسي والعسكري، وبين التطرّف في تحويل القيم المجتمعية إلى قيم استهلاكية تعتمد على الغرائز والشهوات، يسعى إلى فنّ وسطيّ معتدل. وذلك بواسطة أغنيات تمجّد الشهر الفضيل، وتخلط الدين بالفرح، والصوم بالحبّ والوفاء، وليس بالإكراه أو الإجبار على الانقطاع عن الطعام.

وقعبور، إذ يملأ أغنياته أطفالاً، فلأنّه يرى في الأطفال "الغد" الذي ما انفكّ يحلم به، طوال عقود من الأغنيات المتميّزة. وهو في الأغنيات الأربع الجديدة يقول لمن يهمّه الأمر: إنّ الأوان لم يَفُت من أجل أن نخلط الدين بالفرح.

 

 

 

 

المساهمون