غزّاويّات: هويّتي اللبنانية... أنا الفلسطينية

غزّاويّات: هويّتي اللبنانية... أنا الفلسطينية

22 يوليو 2014
الهويّة الفلسطينية الحائرة (الصورة لدافيد سيلفرمان / Getty)
+ الخط -

في كتابه "الهويّات القاتلة" يقول الكاتب، أمين معلوف، ما معناه "حتّى هويّتنا الجنسية المولودة هي في النهاية نتاج زمن معيّن وثقافة معينة، فالمرأة في القرون الوسطى غير المرأة في زمننا الحاضر، والمرأة في الشرق تختلف عن المرأة في الغرب..."، فما بالكم بهويّتنا القومية التي تتبلور منذ نشأتنا، في البيت، المدرسة، الإعلام وتحت رقابة السلطة الحاكمة؟

وبما أنّ كلّ فلسطيني تابع لسلطة مختلفة، في كلّ موقع وموقع من وجوده بين الوطن والشتات، فمن الطبيعي أن يكون لكلّ منّا حكايته، في طريقه إلى بلورة هويّته الوطنية. بالطبع نتشارك في كثير من التفاصيل لكن نختلف في تفاصيل أخرى. وفي النهاية فلسطين هي التي تجمعنا.

منذ حرب عام 1948 بدأت سياسة "الأسرلة" تجاه من تبقّى في الوطن من فلسطينين. فأجبروا على تقبّل الجنسية الإسرائيلية وحمل هويّتها. كما فُرِضَت هذه الأسرلة في مناهج التعليم المخصّصة للفلسطينين. وكان كتاب تعليم اللغة العربية للمرحلة الابتدائية، "السنابل"، يحتوي على نصوص تمجّد دولة إسرائيل ومساهمتها في إخراجنا من ظلمات الجهل إلى نور الكهرباء. وكان على طلاب المدارس الحكومية الاحتفال بيوم الاستقلال الإسرائيلي الذي كان يُسمّى "عيد الاستقلال". وكان كتاب القراءة يضمّ نصوصاً خاصّة بهذا اليوم، كتبها خيرة شعراء بلادي. ولعلّ أبشعها قصيدة كانت تبدأ "عيد استقلال بلادي... غرّد الطير الشادي". 

وأنا تعلّمت، منذ طفولتي المبكرة، في مدرسة تبشيرية هي "مدرسة مار يوحنّا الإنجيلية"، في حيفا. وكان التعليم فيها بحسب المنهاج اللبناني (لا أدري ما السبب حتّى الآن). وكتابنا لتعليم اللغة العربية على مدى 8 سنوات كان "المشوق"، الذي كانت أغلب صفحاته تضمّ نصوصاً نثرية وشعرية لكتّاب لبنانيين يصفون روعة لبنان وجمال جباله وقراه وبحره، إلى جانب نصوص فرنسية مترجمة إلى العربية. وفي نهاية كلّ كتاب من كتب المرحلة الابتدائية كان نصّ النشيد الوطني اللبناني.
كما أنّ محطة التلفزيون الوحيدة التي نادراً ما كان يُسمَح لنا أن نشاهدها (عند دار خالي) في أواخر الستينيّات كانت "تلفزيون لبنان والمشرق". فكنت أشاهد برنامج "بيروت بالليل" وبرنامج حنكش وفهمان، وصونيا البيروتي كانت بطلة طفولتي. وكان النشيد الوطني اللبناني يُنهي برامج القناة كلّ يوم الساعة 11 ليلاً.

في المدرسة ما تعلّمنا إلا تاريخ العصورالقديمة. وفي دروس الجغرافيا نادراً ما كانت تُذكَر فلسطين. أما في البيت، ورغم كلّ حكايات أبي عن طفولته في قيساريا المهجّرة، إلا أنّه لم يذكر أبداً كلمة فلسطين (وأنا ما بعمري سألت ليش طلع من قيساريا). كان مثله مثل معلّمي مدرستي وسياسيي الأحزاب العربية، لا سيما الوطنية، يتجنّبون الخوض في موضوع الهويّة سهواً وعمداً. أما عن "حركة الأرض" التي كانت أوّل من بدأ سياسيّاً ببلورة هويّتنا الفلسطينية في عام 1965، فما وصلتني رسالتها إلا لمّا كبرت وبحثت، وحدي، عن هويّتي الحقيقية.

مع كلّ هذه الأسباب، ومع اسم عائلتي قبل الزواج، "جبران"، كنتُ أخبر الجميع أنّنا من أقرباء الكاتب اللبناني جبران خليل جبران. أضف على هذا إتقان أمي اللغة الفرنسية التي كانت تقرأها وتحكيها بطلاقة لأنّها نشأت في دير فرنسي في القدس. فقرّرت، من دون استشارة أحد، تبني الهوية اللبنانية.

كنتُ فخورة جداً بهويّتي اللبنانية، خصوصاً بعد فوز اللبنانية، جورجينا رزق، بلقب ملكة جمال العالم. ولا أدري متى بالتحديد تحوّلت هويّتي إلى هويّة مشوّهة "عربية إسرائيلية". هذا الفصل القبيح في صيرورة هويّتي سيكون الفصل الثاني، وليس الأخير في حكاية بحثي عن هويّتي.

 

دلالات

المساهمون