حكاية مصوّر فلسطيني مع صدّام حسين

حكاية مصوّر فلسطيني مع صدّام حسين

29 سبتمبر 2014
يحضّر لمعرض يجمع صورالعدوان على غزّة الصورة/عبد الحكيم أبورياش
+ الخط -

"قلت لكم الغزّاوي عقله نظيف، ديروا بالكم عليه"، بهذه الكلمات امتدح الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، المصوّر الفلسطيني بشير الغزّاوي (74 عاما) أثناء حفل تكريم مجموعة خاصّة اخترقت الحدود الإيرانية العراقية، في مهمة استطلاع استمرّت ثلاثة أسابيع تقريباً، قبل اندلاع الحرب بين الدولتين في عام 1980، كان من بينهم الغزّاوي.

هو الذي تميّز بالتقاط صور عالية الدقّة، وفق حاجات قيادات الجيش العراقي. لم يمضِ يومان على انتهاء مهمة الرصد حتّى تلقّى بشير اتّصالا أبلغه بضرورة تجهيز نفسه والتوجه نحو مطار العاصمة بغداد، دون الكشف عن التفاصيل. يقول الغزّاوي، وهو يسترجع الأحداث أمام مراسل "العربي الجديد": "كانت المهمة هي الخروج إلى الحدود الإيرانية العراقية، وهي أرض المعركة، لالتقاط صور وإرسالها إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون العراقية، فهذه المرّة الأولى التي سأخرج كمصوّر عسكري".

عاش الغزاوي سنوات طفولته الأولى في قطاع غزّة، بعدما هجّر الإسرائيليون عائلته من مدينة عسقلان في عام 1948. وفي عام 1957 بدأ الغزّاوي العمل خيّاطا في معسكرات الجنود الدوليين في سيناء، ولكن كلّفته هيئة الاتصالات المصرية بالتقاط صور أيّ سيارة غريبة قد تدخل معسكرات الجنود، أو أشخاص غرباء يأتون إلى المنطقة. وبعدها بعشرة أعوام سافر إلى الأردن للعمل في صفوف الفدائيين.

منذ وطأت قدم الغزّاوي أرض العراق في عام 1969، حيث لجأ بتعليمات من حزب البعث للانخراط في صفوف "جبهة التحرير العربية"، بدأ في العمل ضمن مهمة التصوير التي أحبّها منذ أعوام مراهقته. يقول إنّه عُرِضَ عليه العمل في مجالات عدّة، لكنّه اختار العمل في هيئة الإذاعة والتلفزيون العراقية، وبقي فيها حتّى عام 1976. وخلال تلك المدّة اكتسب خبرة إعلامية نقلته فيما بعد إلى جريدة حزب البعث، التي كان يترأسها صدّام حسين.

يتوكّأ المسنّ الغزّاويّ على عكّاز خشبي بنيّ اللون، ويمسك بيده الأخرى صورة تظهر مجموعة من الدبابات أكلتها النيران، ويروي حكايتها: "نجح الجيش العراقي بإحراق عشر دبابات، وهم داخل الحدود الإيرانية، لكنّ الإعلام الإيراني نفى الأمر، فكلّفت نفسي بتوثيق الحدث وكشف الحقيقة مهما كلّف الأمر".

ويتابع: "عندما وصلت إلى نقطة خاصّة بالجيش العراقي كان في استقبالي قائد الفرقة الرابعة، وتسلّمت سيّارة دفع رباعيّ كي تساعدني على التنقّل بين المواقع، وبعدها انتقلت إلى أقرب نقطة من مكان إحراق الدبابات، فشرح لي قائد المنطقة طبيعة العملية التي حدثت وكيفية  تجاوز حقل الألغام، لكن ما إن تقدّمت نحو مربط الدبّابات حتّى تساقطت القذائف الإيرانية عليه، فانسحبت على الفور".

حاول المصور بشير بعد ساعات قليلة التقدّم نحو الدبّابات المحروقة. كان يزحف على الأرض، على ما يروي الحكاية، بعدما أخذ باستشارة بعض القادة العسكريين، ومفادها أنّ الجندي الذي يتمركز أعلى برج المراقبة ستتشوّش الرؤية لديه مع غروب الشمس. وبالفعل وصل غزّاوي إلى المنطقة والتقط صوراً عدّة.

ذات مرة، تفاجأ الغزاوي بصدّام حسين وهو يربّت على كتفه، ويشير إليه بأن يحمل كاميرا فيديو، بعدما أُصيب المصوّر الخاصّ بصدّام بشظية وقُتِلَ على الفور، ويقول بشير: "كانت هذه المرّة الأولى التي أحمل كاميرا الفيديو، فلم تكن لديّ أيّ خبرة، كنت ألتقط المقاطع ودقّات قلبي أسرع من صوت القذائف، خشية أن تكون الكاميرا لا تعمل أو الصور بجودة رديئة".

وتوالت المفاجآت في يوميات الغزّاوي، عندما نشر التلفزيون العراقي في اليوم ذاته مقاطع الفيديو وأسفلها يظهر اسمه للمرّة الأولى، ويضيف: "في اليوم نفسه اتصلت بمدير التصوير في الصحيفة للاستفسار عن جودة التصوير، فأشاد به وكشف عن إعجابه باللقطات"، مشيرا إلى أنّ الرئيس صدّام طلبه شخصيا للحضور إلى مدينة البصرة لمرافقته في جولة على مواقع الجيش".

عاد بشير الغزاوي إلى قطاع غزّة في عام 1994، بصحبة صناديق حديد كبيرة كانت تحتوي على أرشيف خاصّ به يضم وثائق تاريخية ومجلّدات من صور متنوّعة وهدايا نالها، لكن جميعها سُرِقَت عند المنفذ الحدودي بين الضفّة الغربية المحتلّة والأردن، ليصل إلى غزّة برفقة حقيبة واحدة تحتوي بعض الملابس وألبومات صور ومعدّات تصوير.

تحامل المصوّر بشير على مرضه وخرج، بعدما وضع العدوان على غزّة أوزاره، إلى المناطق التي تعرّضت للقصف، ليوثّقها بكاميرا صغيرة، في حين يستعدّ الغزّاوي لتنظيم معرض فنيّ يجمع صور العدوان على غزّة والصور التي التقطها خلال وجوده في العراق وخلال فترة عمله مع الرئيس صدّام حسين، وكذلك الصور التي التقطها خلال حرب الخليج الثانية، بين العراق والكويت، في عام 1991.

المساهمون