رحلة الكهوف... تواصل روحي واستجمام سياحي في تركيا

رحلة الكهوف... تواصل روحي واستجمام سياحي في تركيا

31 مايو 2016
نقش لكنيسة مريم العذراء بكهف في كبادوكيا (كوناثان بلير/Getty)
+ الخط -
ربما الخوف والهروب من سطوة الوحوش والأقوياء، هو التبرير الأقرب للتاريخ والمنطق، لوجود المغارات والكهوف، وإن اعتُبر من يلجأ إليها في عداد الأموات، فمنذ خوف الإنسان القديم من الحيوانات، مروراً بأهل الكهف، وصولاً لسكن الهاربين من خوف متداول، سواء عادة أو معتقدا، أخذت معظم الكهوف والمغارات أسماء مرتبطة بالروحانيات، وربما مغارة "أهل الكهف" ومغارة "جنة وجهنم" في تركيا، بعض أمثلة عن غيرهما، إنْ في الأناضول أو بباقي أصقاع الأرض.
فمغارة جنّة وجهنّم التي تقع في منطقة سيلفكي بولاية مرسين جنوب غربي تركيا، تركت من تعدد التفاسير حتى الآن، ما يكفي لاعتبارها من أسرار ما تحت الأرض، وإن غلبت التفاسير الروحية التي تتجلى بداية من تسمية المنطقة، فمغارة "جنة" التي وجد فيها آثار لأديرة عبادة، وربما هو سبب تسميتها، باتت تجذب ملايين السياح بعد التخديم السياحي وإمكانية النزول للمغارة التي تمتد أبعادها 250 طولا بعرض 110 أمتار وبعمق يزيد عن 135 متراً.
أما حفرة جهنم، فهي أعمق من حفرة جنة، ولكن فتحتها أصغر إذ لا تتجاوز 210 في 150 مترا، لكن فتحتها مقعرة ولا يمكن النزول إليها، ما أبقى قاعها غامضا ومخيفا، وربما من ذلك أتت التسمية التي خففت القرية السياحية المشادة قرب المغارة "نارلي كوي" أي قرية الرمان، من الخوف من عمق وعذابات "جهنم".
وغير ذي بعيد عن "جنة ونار" وتحديداً في منطقة طوسوس بولاية مرسين، على الخط السريع بين مرسين وأضنة على مسافة 40 كيلو متراً من الأخيرة وسط الأناضول التركية، يقع على جبل هو أقرب للتل العالي يسمى بنسيلوس وآخر بعيد عنه ومثله يسمى إفسوس، كهف النائمين السبعة، وهو المكان الذي ذكره عدد من المؤرخين بأنه لجأ إليه الفتية المؤمنون (يمليها، ميسلينا، مكسيلينا، ميرنوس، تبرينوس، سازينوس وكافيستاتيوس) وكلبهم "قطمير"، الذين فروا بدينهم من ظلم الوثني "داكيانوس" واعتزلوا قومهم وآووا إلى كهفهم.
وقصة أهل الكهف من المُشتركات بين العقيدتين الإسلامية والمسيحية، وربما الاختلاف الوحيد حول مكان وجود هذه المغارة. فهناك العديد من المغارات التي تُطلق عليها اسم أصحاب الكهف سواء في القارة الأوروبية والآسيويّة والأفريقية.
كما هناك أربع مغارات في تركيا، تحمل اسم أصحاب الكهف. فهذه المغارات موجودة في مناطق سلجوق وليجا وطرسوس وأفشين. وعلى الرّغم من ادّعاء سكّان هذه المناطق بأنّ أصحاب الكهف نزلوا في المغارة الموجودة في مناطقهم، إلّا أنّ الاكتشافات والبحوث الأثرية تُرجّح أنّ أصحاب الكهف تواجدوا في إحدى المغارتين الموجودتين في منطقتي (طرسوس وأفشين). وإنّ معظم علماء الدّين الإسلامي يتّفقون على أنّ حادثة أصحاب الكهف جرت في مغارة "أفسوس" الموجودة في منطقة أفشين التابعة لمدينة كهرمان مرعش.
ويتفق كثير من الباحثين، على أن مغارة أفشين لما فيها من دلائل، هي الأقرب لمغارة أهل الكهف، حيث تحتوي هذه المنطقة على كليّة عظيمة تعود إلى ذلك الزّمن. وبالإضافة إلى أن أهالي مدينة كهرمان مرعش ما زالوا يسمّون أولادهم بأسماء الشّباب السّبعة الذين تدور قصّة أصحاب الكهف حولهم.
ولأن تركيا غنية بالكهوف أكثر مما اعتقدنا خلال بحثنا، سنأتي سريعاً على أهمها، قبل أن نفرد بعض مساحة لحكاية المغارات.

ـ كهف دارغاح: الذي يقال إن النبي إبراهيم عليه السلام ولد فيه، يقع هذا الكهف في مركز مدينة شانلي أورفا الواقعة جنوب شرق تركيا، وهو أحد أهم الأماكن الدينية التي يزورها جميع أصحاب الديانات السماوية من مسلمين ويهود ومسيحيين.
ـ كهف ماريس: يقع كهف ماريس في مدينة موغلا السياحية الواقعة جنوب غرب تركيا ويعتبر من أكثر الكهوف جمالا في تركيا، يتميز بإطلالته المباشرة على البحر المتوسط ومفتوح بداخله تمر السفن والمارة من خلاله، كما يُعد كهف ماريس أحد الكهوف المهمة دينيًا، حيث يقال إن سيدنا إلياس لجأ إليه بعد تهديد ملك بني إسرائيل له.
ـ كهف داملاتاش أو باللغة العربية القطرة المجمدة، وهي ميزة هذا الكهف المتجمدة فيه قطرات الماء والأتربة و يقع في مدينة أنطاليا جنوب تركيا والمطلة على البحر الأبيض المتوسط.
ـ كهف غوك الذي يقع بمدينة أنطاليا له خصوصية القسمين، فنصفه السفلي تحت الماء والنصف الآخر فوقها، و يتميز بأن مياهه قسمه السفلي حلوة المذاق أما مياه قسمه العلوي فهي مالحة.
ـ مغارة "تشال كوي" في ولاية طرابزون شمال تركيا، ثاني أطول المغارات بالعالم، وأحد معالم قرية "دوز كوي" التي تقع على ارتفاع 1050 مترًا عن سطح البحر وتحوي المغارة أودية وبركا مائية، وتزيد الصواعد والنوازل، التي تشكلت عبر ملايين السنين المغارة، جمالا بعد أن قامت الدولة التركية عام 2013 بأعمال إضاءة للمغارة ونصب طريق خشبي بداخلها، لتفتتح للزوار.
ـ مغارة زيغا التي تقع بين أشجار كثيفة وأنهار دائمة الجريان على مدخل مدينة كومو شهانة و تبعد 88 كيلومترا عن محافطة طربزون، وتقع هذه المغارة في رؤوس أحد الجبال المرتفعة، وسقف المغارة وجدرانها كأنها حمم بركانية منصهرة قد تجمدت.
ـ مغارات تكة كوي تقع داخل حدود قضاء تكة كوي، على بعد 14 كيلومترًا شرقي مدينة سامسون التركية، في الكتل الصخرية الشاهقة، على امتداد الوادي، الذي يرويه سيل فنديجاق، وسيل تشينارلي، ويقال إن الإنسان من العصر البايوليتيكي عاش فيها وقت كان اعتماده يقتصر على الصيد.
ـ مغارات وينابيع "أويلات التي تبتعد عن مدينة بورصة حوالي 60 كيلومتراً، المحاطة بالأشجار والشلالات ومغارات أخرى موجودة في الجبل الشاهق، وتعد مغارة " أويلات" من اكبر المغارات في بورصة، وثالث أكبر المغارات في تركيا، ويقال إنها تشكلت بعد حدوث زلزال كبير قبل 300 مليون سنة، وتتميز بطولها الممتد الى 665 متراً.

أغراض علاجية
ومن مغارة" أويلات" سنعرّج للدور الطبي والعلاجي، فضلاً عن السياحي والتاريخي وحتى الروحي، الذي أخذته المغارات والكهوف في تركيا، أو بعضها على الأقل.
فمنطقة "أويلات" التي تقع فيها المغارة تحتوي على ينابيع معدنية وحماماتها الساخنة، التي يكثر فيها السياح لأغراض علاجية، وكذا لجهة مغارة دملاطاش التي تعد من مشافي مرضى الربو الطبيعية وتقع في ومدينة ألانيا بولاية أنطاليا جنوبي تركيا، وينصح العديد من الأطباء والاختصاصيين مرضاهم بزيارة هذه المغارة التي توفّر مناخًا صحيًّا ملائمًا لزوارها الذين يعانون من أمراض في الجهاز التنفسي ومرض الربو على وجه الخصوص.
وقد لا يستوي موضوع الطبيعة العلاجية بتركيا دونما التطرق إلى كهف فوسفورلو في مدينة أنطاليا الذي تحتوي مياهه على نسبة عالية من مادة الفوسفور المفيدة للوقاية والعلاج من الأمراض العظمية والجلدية.

المساهمون