أغاني "المداحين"

أغاني "المداحين"

11 يونيو 2015
محمد ياسين التهامي ورث غناء المداحين عن والده
+ الخط -
ينتمي فن "المديح النبوي" لنوعية الغناء الشعبي، الذي ينتشر في المواسم الدينية والشعبية والاحتفالات الروحية كالموالد والحضرات الصوفية. ويمثل المديح، باستثناء بعض الحالات المميزة، صورة أقل احترافية وأكثر شعبية من الإنشاد الديني الذي ازدهر بصورة كبيرة في تركيا العثمانية وانتشر في كافة أرجاء العالم الإسلامي بعد ذلك.

مريدو الموالد والطرق الصوفية يطلقون على المداحين لقب (شيخ)، كالشيخ ياسين التهامي، والشيخ أحمد التوني، والشيخ محمد الكحلاوي، وهكذا. يقول أحد المداحين في أغنيته:
"واحنا مدحنا النبي/ ولا رحنا كلية
وفي مدرسة المصطفى/ اخدنا "العلامية"

"والعالمية" التي حرفها المداح بهذه الصورة هي اسم درجة الدكتوراه في الأزهر الشريف، فقد نال المغني الحظوة والمكانة لمجرد أنه يمتدح النبي. ولا تقتصر مهنة المداحين على الرجال فقد عُرف من النساء مَن تميزن بها وأنشأن فرقاً خاصة، مثل خضرة محمد خضر وجمالات شيحة وفاطمة سرحان، وغيرهن.

السوق الخاص الرائج للمدائح في العصر الحالي هو الموالد، وبعض الخيمات الفنية المتخصصة التي تعتني بها الدولة، وفي العادة يتفق مشايخ الطرق الصوفية مع هؤلاء الفنانين لإحياء مناسبات دينية مختلفة طوال العام.

الموضوع العام لهذا النوع من الغناء هو مدح النبي وذِكر سيرته وبعض تفاصيلها، واستخلاص المواعظ والعبر منها، وإشراك الجمهور في حالة روحانية خاصة. لكن الحقيقة أن الأمر لا يتوقف عند ذلك، فهو ينطلق إلى العديد من الأغراض الأخرى التي قد تقترب أو تبتعد عن الموضوع الأساس.

فمثلاً؛ تراه يداعب أشواق المستمعين بزيارة بيت الله الحرام وأداء مناسك الحج، ويقول:
"يا ما نفسي احج وازور/ حبيبي يا ضي عيني
يا للي انت زرت النبي/ قولي ورسّيني
واوصف ليه اللي/ شفته، دا العشق كاويني
يا ما نفسي اروح للنبي/ وأقوله ناديني"

وتتضمن هذه الأبيات العامية إشارة إلى معتقد شعبي متوارث يرى أنه عند زيارة قبر الرسول يقف الزائر أمامه ويقول: "يا حبيب الله يا رسول الله. فلان يطلب زيارتك فاطلبه وناديه". فلا يمضي عام واحد حتى يقوم من ذُكر اسمه بالزيارة والحج!

إقرأ أيضاً: أغاني "البمبوطية": بحرية يا ريس بحرية

وفي بعض الموالد يصطنع المداح متنفساً للجمهور المتشوق، فيخبرهم في قصائده بأن زيارة الأولياء تشبه زيارة النبي، فهم من نسله الكريم وفي أضرحتهم المباركة رائحة من ضريحه الطاهر، لذا يذكر أو يخترع نسبة "الولي" صاحب الضريح إلى الحسن أو الحسين، وبذلك تتم القرابة والزيارة السريعة.

وهو يربط في أغانيه بين النبي والحكم والمواعظ والمعتقدات الإيمانية كالصبر والإيمان بالقدر وغيرها؛ كقولهم:
"الصبر لما استوى/ أكل النبي مِنّه
أنا رحت أرض النبي/ علشان أجيب منه
لقيته زي العسل/ والمرّ راح منه"

وقد ينطلق المداح بعد مقدمته عن النبي محمد إلى ذكر قصص أنبياء آخرين، ومن أشهر القصص التي يتغنون بها في الموالد المصرية قصة "النبي يوسف وزليخة":
"يوسف يقول لزليخا/ الصبر راحة لك
الحب في القلب/ حب الرب راحة لك
نبي معصوم/ ما اقدرش أروح لك"

لا ينسى المطرب الشعبي أن يدعم أغنياته بموال، من خلاله يعطي فرقته الموسيقية فرصة لالتقاط الأنفاس أولاً، ثم يستثمر ما يحدثه الموال في نفوس المستمعين من حالٍ قد يبلغ بهم حد النشوة والاندماج التام مع ما يغنيه.

وقد يُدخل في القصة بعض الأبيات المشهورة في الغزل الصوفي لابن الفارض أو ابن عربي أو البرعي وغيرهم. بعض المداحين امتازوا بالاحترافية الفنية والثقافة مقارنة بالمداح الشعبي الجوال في الموالد والأرياف والنجوع، والذي لا يستطيع أحياناً ضبط أغانيه فنياً من ناحية الوزن والقافية. بل يعتمد على قدرته العالية على الأداء في سياق خاص، يحفظ من خلاله الوقائع والدراما. فهو يبذل جهده لينال المردود المناسب من تشجيع وإعجاب.. و"النقوط" أيضاً!

إقرأ أيضاً: زمن موسيقى الشيوخ

دلالات

المساهمون