الحرب المرّة تقفل أقدم محلّ حلوى يمني

الحرب المرّة تقفل أقدم محلّ حلوى يمني

14 مايو 2015
سنعود بعد الحرب (العربي الجديد)
+ الخط -

"لست أنا من سيحرمكم، بل الحرب"، هكذا يعتذر العمّ "محمد المطري" المعروف "بالصوري"، ويعد بفتح محلاته مع انتهاء الحرب الداخلية في محافظة عدن، وتوفر الوقود وغاز الطبخ في صنعاء.

يشرح لنا: "بات مستحيلاً تدبير 8 أسطوانات غاز يومياً، لطهو الحلوى وتلبية طلبات مئات الزبائن اليومية في صنعاء، أما في عدن فقد وصل رصاص الحوثيين إلى المتجر في سوق "الزعفران" هناك".

وسوق الزعفران، أشهر أسواق عدن، شهد ولادة حلوى الصوري إبان الاحتلال الإنكليزي، ومنه انتشرت حتى ملأت مدن اليمن. وأبرز حلويات الصوري هي الخلطة الحمراء الكثيفة القوام، والهريس الخشنة المليئة بالفول السوداني.

في أربعينات القرن الماضي، افتتح رجل من مدينة "صور" بسلطنة عُمان محلاً للحلاوة "العُمانية"، يحمل اسمه "الصوري" في سوق الزعفران، حيث كانت تقيم مجموعات من جنسيات مختلفة بينها الهندية والصومالية. وكانت حلاوة ذلك المحل مميزة عن المحلات التي أُفتتحت بعده في عدن، برغم تشابه شكلها، لكنّ مكوّنات ومذاق حلاوة "الصوري" ظلت استثنائية حتى اليوم.

كان جميع عمال المحل من أقارب الصوري، باستثناء "عبد ربه المطري"، الذي قدم للعمل من مدينة البيضاء اليمنية نظراً لمهارته وأمانته. وبعد تحسن الأوضاع الاقتصادية في عُمان، عاد الصوري وعماله إلى بلدهم، وبقي "عبد ربه" في المحل، بعد أن اشتراه وصار باب رزق لأولاده، وفي طليعتهم محمّد المطري، أو العمّ محمد.

ظل "محل الصوري" اسماً تجارياً بارزاً يتميّز بالجودة نفسها للحلاوة التقليدية، وبأسعار منافسة، إذ لم يغير أياً من مكوّناتها الأصيلة. وكان ذلك سرّ حفاظ المحل على شهرته منذ أكثر من 70 عاماً.

يقول العم محمد إن طهو الحلوى يستغرق 5 ساعات، وأنّه يستعمل زيت السمسم الطبيعي ومسحوق نشاء الذرة.. بينما تغيرت الطريقة كثيراً في المحلات المشابهة لتستبدل زيت السمسم بزيت الطبخ، وتخلط النشاء بكثير من الدقيق، وتختصر زمن طبخ خلطة الحلاوة خلال 30-45 دقيقة فقط.

أما الهريس الحمراء، فلا يزال الصوري يصنعها من جريش اللوز والفول السوداني وزيت السمسم والسكر، بينما يستخدم منافسوه الدقيق الأحمر وقليل من الفول السوداني وزيت الطبخ والسكر. يضيف العم محمد بأن فارق السعر بين منتجه والمنتجات المنافسة لا يتعدى 25%، لكنه لا يزال يربح منها الكثير بسبب توافد المئات من زبائنه، فكل محلّ من محلاته يستهلك ما وزنه 700 كيلوجراماً من المكونات يومياً لتلبية طلبات الزبائن.

ومع سوء الأحوال الأمنية والاقتصادية، توشك هذه الصناعة الأصيلة على الاندثار، إذ يرفض العم محمد التنازل عن معايير الجودة، واختزال زمن الطبخ، لتوفير المال والوقت والجهد، قائلاً إن هذا مناف لقيم الأصالة والإتقان: "نفضل أن نقفل محلاتنا على أن نخسر ثقة عملائنا التي بنيناها عميلاً عميلاً طوال سبعين عاماً".

اقرأ أيضا:طوابير في عدن

دلالات

المساهمون