معاهدة التفاؤل: تحدٍ للتمسّك بالإيجابيّة

معاهدة التفاؤل: تحدٍ للتمسّك بالإيجابيّة

26 نوفمبر 2014
عاهدتُ نفسي بالتفاؤل (Getty)
+ الخط -
عاهدت نفسي بأن أبدأ نهاري في الصباح التالي بإيجابية، وأن أحافظ على هدوء أعصابي مهما كانت التحديات، وأن أنضمّ إلى زمرة الناس المتفائلين، وهو الأمر الذي أقلعت عنه منذ سنوات. 

طلع النهار. تلَوتُ معاهدة التفاؤل على نفسي من باب التذكير بالشيء. باشرت في خوض غمار التحدي الأول. التحدي الذي طالما فشلت فيه. وسمحت له أن يقهر مزاجي ويخرّب يومي. إنه ببساطة مشواري الصباحي اليومي من البيت إلى مدرسة أولادي ومنها إلى مقرّ عملي.

تمركزنا في السيارة. إنها السادسة وعشر دقائق. تأبط ابني وسادته الصغيرة ليكمل مشروع نومه المقطوع. تحضّرت ابنتي لنسخ أحد فروضها المدرسية. لِمَ لا؟ فالمدة التي نستغرقها لخوض غمار التحدي الأول لا تقل عن الساعة، بل تزيد غالباً!
مقياس التفاؤل لديّ في أوجه، والدليل أنني لم أنزعج من سائق الباص المدرسي الذي ضغط على البوق طويلاً، منادياً مَنْ تأخرَ من التلاميذ. ولم أتضايق من جارنا الذي ترك كيس نفاياته يقطُرُ سوائلاً "عطِرة" من المصعد وصولاً إلى مدخل العمارة. أقنعت نفسي بأنّ ما رأيته للتو شأن لا علاقة لي به.

انطلقنا بالسيارة. وما إن قطعنا الشارع الفرعي حتى انحشرنا بين مواكب السيارات المليئة بالموظفين والطلاب وسائقي التاكسي، إضافة إلى باصات العمال والشركات، ناهيك عن الجرافات والشاحنات على اختلاف أحجامها. دفْق بشري وآلي صباحي تجمّع في بقعة جغرافية واحدة، في توقيت واحد. الكل محبوس داخل مركبته. تذكرت في هذه اللحظة قول الشاعر التركي ناظم حكمت لرفاق زنزانته "الحياة جميلة يا صاحبي".

مرّت خمس عشرة دقيقة. قطعنا حتى الآن كيلومترين اثنين فقط. ابني غارق في النوم. ابنتي أنجزت واجبها. السيارة في مكانها لا تتحرك. طال الانتظار. العيون شاخصة نحو إشارة المرور. ألمحُها من بعيد. أضاءت لونها الأخضر، لكن أعداد السيارات التي تفصلني عنها، يجعل الوصول إليها، قبل أن تحمرّ، أمراً بعيد المنال.

لن أتوتر. قلّبت الإذاعات ولحسن حظي صدحت الأغنية الشهيرة Happy للمغني الأميركي فاريل وليامز، فرحتُ بها، وأحسستُ بأنها إشارة دعمٍ لي، كي لا أتراجع عن معاهدة التفاؤل خاصتي. سرحتُ في خيالي، وتصورتُ مشهداً رائعاً يصلحُ إعلاناً تلفزيونياً: الأغنية تعلو عبر مكبرات الصوت في الشارع. يخرج الناس من سياراتهم. يبدأون بالرقص الحرّ والقفز هنا وهناك. الجميع كباراً وصغاراً، يحولون الشارع إلى مهرجان. يكسرون ملل الانتظار. يشحنون أجسادهم الباردة من التكييف بطاقة تكفيهم طوال اليوم.

انتهت الأغنية. انقطع المشهد المُتخيّل، وعدت إلى الواقع. هل سنتمكن من قطع الإشارة؟ أستبعدُ ذلك. رأيي هذا لا علاقة له بتفاؤلي أو عدمه، بل لأن التكرار يعلِّم الحمار، وقد خبِرت هذه الإشارة مرات ومرّات، والتكرار علّمني. وصلنا إلى التقاطع. الإشارة خضراء، لكن السيارات متداخلة ببعضها البعض من أكثر من اتجاه. الكل يقطع الطريق على الكل، والتقاطع يشبه رقعة البازِل قبل ترتيب أجزائها.

بعد عبورنا للتقاطع بسلام. استرقت النظر إلى الساعة، إنها السابعة إلّا ثلثاً والمسافة التي قطعناها حتى الآن لا تزيد على أربعة كيلومترات فقط. آه لو كنتُ عداءةً ماراتونية، لكنت قطعتها ركضاً بأقل من ذلك بكثير.

لا بأس، لن أخسر تحدي الوصول إلى عملي، وأنا في قمة تفاؤلي. اجتزت العقدة الأصعب في مشواري اليومي. بقي أمامي ثلثا المسافة.

قلبتُ مفتاح الراديو. فعلاً أنا محظوظة!! فريد الأطرش يغني "الحياة حلوة بس نفهمها، الحياة حلوة ما أحلى أنغامها". إنها دعوة واضحة لي بأن أقرأ بين السطور وأرى أبعد من أنفي. أن أنظر إلى الجزء الممتلئ من الكوب.

أكملت سيري، وعلى المنوال ذاته. قف! أقِف. سِرْ! أسير. حتى وصلت أمام المدرسة. ودّعتُ ولديّ. وتابعت سيري حتى وصلت إلى مقر عملي. ما زلت متفائلة، بل ومعجبة بقدرتي على عدم الخضوع لهموم الطريق.

دخلت مبتسمة إلى عملي، على الرغم من تأخري بالوصول نحو ربع ساعة تقريباً. وجدت تنبيهاً خطياً معلقاً، يحدد الحسومات التي ستلحق بالراتب في حالات التأخير.

انخفض مستوى التفاؤل لديّ بشكل ملحوظ، لكنه لم ينعدم. لم أنجح بتفوق في اجتياز التحدي الأول. ولكن هل سأفشل في اجتياز ما ينتظرني من تحديات أخرى، اليوم وكلّ يوم؟!

المساهمون