سنو العائد من غزة: صعب إزاحة الصور من ذهني

سنو العائد من غزة: صعب إزاحة الصور من ذهني

29 يوليو 2014
جون سنو (في الوسط) مع فريقه في غزة (تويتر)
+ الخط -
لم يكن مفاجئاً أن يعود جون سنو، أبرز مقدمي برامج الأخبار في بريطانيا، من غزة، برسالة قوية بثها على موقع القناة الرابعة من أجل أطفال غزة، فقد اخترق الحصار المفروض على الصحافيين في كل حرب إسرائيلية هناك، وفضح المسكوت عنه.

انطلق سنو قي رسالته المتلفزة التي عرضها على القناة التلفزيونية الرابعة، بقوله إنه منذ بدء الحرب الاسرائيلية على غزة، كانت أغلبية الضحايا، جرحى أم قتلى، من الأطفال. وعبّر عن دهشته من يفاعة هذا الشعب، واستغرب كبر حجم الأجيال التي هي في سن الطفولة، فمعدل الاعمار 17 سنة "إنهم جوهر ما يجري في غزة".

وعندما يقول سنو لجمهوره بأن العديد من الجنود الإسرائيليين الذين يقاتلون، هم في العشرينيات من العمر، كأنه ينبّه العالم الى أن هذه المنطقة التي لا تهدأ فيها الحرب، يقتل فيها الجيل اليافع جيلاً آخر يسكن بالقرب منه.

زار جون سنو مستشفى الشفاء عندما كان في غزة، ولاحظ كيف أنه خُصص طابقان للأطفال المصابين من القصف الاسرائيلي. وعلى مدونته الخاصة نشر يومياته من تعليقات وصور ومقاطع فيديو هؤلاء الاطفال. يقول عن طفلة اسمها نعمة: لا أستطيع ان اقتلع صورتها من ذهني، نعمة لم تبلغ من العمر الا سنتين، جمجمتها وأنفها مكسوران بسبب الاصابة من القصف، ما تسبب في تقيّحات كبيرة بحجم عيني الباندا، وأغلق عينيها الصغيرتين على نحو فعال".

حاول سنو أن يكلم نعمة لكن الصغيرة منذ أن أصيبت خلال قصف مدفعي اسرائيلي قبلها بخمسة أيام، لم تنطق بكلمة واحدة. "ولا ندري إذ كان ذلك سيكون مؤقتاً أم الى الابد"!

يكتب في مدونته عن زيارته المستشفى "أتحسس المكان من خلال المتاهة الكثيفة لعنابر الأطفال في الطابقين الثاني والثالث من مستشفى الشفاء المذهل في غزة. فهذا هو مكان ولادة القديسين وساحة موت الملائكة".

القديسون هم الأطباء الذين جاؤوا من جميع أنحاء العالم ليتعاملوا مع عواقب هذه الحرب الدامية. أما الملائكة فهم الأطفال الأبرياء الذن سحقتهم المعركة لدرجة يصعب معها البقاء.

ليتبارك "يوتيوب"

جون سنو كتب يومياته من المكان الذي كان محاصراً في مدينة غزة ثلاثة أيام، وقال: "إن الوضع خطير جداً فأسوأ المذابح كانت جنوب هذا المكان، حيث لم يتمكن أي صحافي من المغامرة فيه حتى الآن".

ويضيف متهكماً: "لكن فليتبارك "يوتيوب"، جنباً إلى جنب مع إمدادات قصيرة من الهاتف والكهرباء، لانها مكنت صور السكان المحليين من الوصول إلى العالم الخارجي، حتى نتحقق منها نحن الصحافيين وننسجها في تقاريرنا، ليشهد العالم على ما يحدث في غزة. ولا بد أن يكون هناك حكم على ما يحصل".

لا ينطلق الصحافي الشهير من تغطيته الإعلامية من موقف منحاز مسبقاً، فهو يمارس مهنيته ويترك لضميره الحكم على الأمور. وعلى الرغم من انه رئيس قسم الاخبار في القناة الرابعة، إلا أنه يذهب بنفسه يعاين الوضع ويحكم، من دون أجندات مسبقة تلجمه، كما يفعل صحافيو "بي بي سي" و "سي إن إن" ومؤسسات اعلامية أخرى تقع تحت تأثير الضغط الاسرائيلي.

فضح الرقابة على الصحافيين

تحدّى الصحافي القويّ المراس، إسرائيل، في حربها 2008 - 2009 ، عندما منعت الصحافيين من دخول غزة. وفي الوقت الذي كانت فيه "هيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي" تناقش بث أو عدم بث النداء الانساني لجمع التبرعات لضحايا العدوان الاسرائيلي على غزة، كان جون سنو قد أنجز فيلما صوره على الحدود قرب معبر اسرائيل - غزة. ففي ظل منع اسرائيل الصحافيين من الدخول الى القطاع لنقل الاخبار، وجد سنو نفسه وزملاءه مطالبين بمراقبتها من خارج المنطقة، بما يشبه التنصت على الاحداث أو تخمينها، وهم يسمعون أصواتاً للقصف الاسرائيلي على غزة تأتي من بعيد.

كيف يمكن لأي صحافي في هذه الظروف وهو خارج أرض المعركة، أن يقوم بتغطية رصينة وحقيقية لقناته؟ هذا السؤال طرحه جون سنو الذي لم يرد ان يضيع الوقت في انتظار لا معنى له، فوجدها فرصة لاعداد شريط وثائقي عن تجربة الصحافيين والمراسلين في "حرب هي غير كل الحروب، كانت أولى ضحاياها، الحقيقة".

من المركز الاعلامي الاسرائيلي بدأ سنو استطلاعه، حيث يحصل الصحافيون على بطاقة صحافية لتغطية الحدث، ويحصلون معها على ملف صحافي إسرائيلي وصفه بـ"البروباغندا" لأنه يحوي مواد ترويجية من وجهة نظر اسرائيل، أعدتها الجهات الرسمية لتبرير الهجوم، مع وعد بأن تصله آخر الاخبار من الجهات الرسمية عبر الرسائل القصيرة الى هاتفه الجوال مباشرة، في خطوة تشكل نقيضاً لكل المبادئ الإعلامية التي عهدها سنو، والتي تقوم على حرية بث المعلومات. فكيف يمكن للصحافي أن يقوم بواجبه ويقدّم تغطية جيدة وموضوعية للحرب، وهي تأتي من جهة واحدة تحاول أن تهيمن على الحقيقة؟

أسئلة فاضحة

وتتوالى الأسئلة التي طرحها سنو في شريطه حول تعامل الصحف والقنوات التلفزيونية البريطانية مع الحرب الاسرائيلية على غزة، مثل: هل يمكن اعتبار ما تم تغطيته، انعكاساً لما جرى على أرض الواقع فعلاً والصحافيون قابعون على الحدود؟ ولماذا اختلفت تغطية القنوات الفضائية عن تلك الارضية؟ ولماذا تختلف عما نقلته القنوات العالمية وتلك التي في الشرق الاوسط، أو ما تسرب عبر مواقع الانترنت؟

يلتقي ممثلاً عن وكالة الانباء العالمية "رويترز"، يقرّ له بأن الوكالة "تتدخل في ما يصلها من صور، لأن القانون البريطاني الذي ينظم العمل الاعلامي، يمنع عرض صور تؤذي مشاعر الجمهور، مثل صور الجثث، أو تلك التي تعكس شدة العنف بشكل أو بآخر". بعدها يحيلنا سنو الى مثال من الصور الخاصة عن طفلة رضيعة دهستها دبابة اسرائيلية، فباتت قطعة غير واضحة الملامح. تأثير الصورة بفظاعتها، سيختلف عندما تبث صورة الطفلة نفسها ملفوفة بقطعة قماش بيضاء قبل دفنها، حيث لا اثر لتفاصيل الجريمة الاصلية، وهي مجرد ضحية، ورقم في قائمة الضحايا.

استضاف سنو في شريطه الذي أنجزه عام 2009 مراسلين عدة من قنوات ووكالات أنباء، ففضح تردد وتخوف الجهات التي يعملون لمصلحتها في نشر الحقيقة، كل لأسبابه التي يختبئ خلفها.

أما الصحافيون الإسرائيليون الذين ظهروا في الشريط، فيقفون مع حكومتهم في قرار المنع، واستندت صحافية اسرائيلية الى حرب اسرائيل على لبنان عام 2006 التي جعلت المراسلين الاجانب يكتبون عن الاوضاع الانسانية، "مستثيرين بالتالي تعاطف المشاهدين في الغرب".
أنجز سنو شريطاً ضمّنه صوراً اعترف بفظاعتها، لكنها الحقيقة، وهي الصور التي لم يرد لنا الاسرائيليون أن نراها". هكذا اختتم شريطه.

موقف جون سنو المختلف عن أغلب المؤسسات الاعلامية، يجرّ عليه بالتأكيد، الانتقادات من جهات مؤيدة لاسرائيل، بمنطق ضعيف تغيب عنه الأدلة التي تدحض صحة شهادة جون سنو من كلمات وما يعرضه من صور. مثال ذلك ما كتبه أحد الصحافيين في مدونة على موقع مجلة "سبكتاتر"، أن سنو منحاز، لانه لا ينتقد إرهاب حماس، ويضيف "كيف يمكن لصحافي أن يكون موضوعيّاً، وردة فعله الاولى على سقوط الطائرة الماليزية في أوكرانيا، تغريدة عبّر فيها عن تخوفه من أن تشدّ اخبار الطائرة انتباه العالم بعيداص عمّا يحدث في غزة"!

المساهمون