تأميم الصحافة المصرية أم تأميم الوطن وعسكرته؟

تأميم الصحافة المصرية أم تأميم الوطن وعسكرته؟

31 أكتوبر 2014
الصحف تسلّم البلاد للعسكرة الكاملة (GETTY)
+ الخط -
بدأ الإعلام ــ كثورة مضادة ــ بـ "العكشنة" (نسبة إلى توفيق عكاشة) والثوار ما زالوا في الميادين. وتوفيق عكاشة شخصية بدت منذ اللحظة الأولى مثيرة للضحك وأحياناً الشفقة. وكان الرجل (للأمانة) يؤدي دوره بشكل يحسد عليه ةباتقان تام، إذ إنك ببساطة تضحك وأنت تكتشف من وراء ما يقوله تنبيهات وأوامر الأجهزة الأمنية. وتحقق ذلك في ما بعد، باعترافه وخاصة بعدما تحول عكاشة إلى "عكشنة". بل مشى على خطاه القرموطي (بالقرمطة) ومحمود سعد (بالسهوكة) وأحمد موسى... وصار لكل منهم مدرسة ودروب وحارات، وظل ذلك على استحياء، إلى أن نجح محمد مرسي. فوجدنا إبراهيم عيسى في أول أسبوع يعلق كاوتشاً قديماً في الاستديو، ويكتب عليه "الإستبن" والإشارة هنا واضحة وجلية إلى الرئيس مرسي الذي سوّق معارضوه شعار "الاستبن" للدلالة عليه. يومها قلت إن الأجهزة الأمنية التي كانت تلجم أرانبها خلال 18 شهراً، هي عمر المجلس العسكري، أعطت ضوءها الأخضر لإبراهيم عيسى أن يفتح القوس لآخره ولينافس عكاشة. خصوصاً وأن الرجل في قمة فورانه وجاهزيته لخوض لجج المعارك، خصوصاً بعدما باع "دستوره" للوفد، وأخذ حصته من "البرطيلة". واستمر العرض الإعلامي هكذا على الهواء يومياً حتى تم الانقلاب. فصار الكل وبات الجميع يخطبون ود الأرنب.
اليوم ـ الآن ـ لن تجد عكشنة ولا سهوكة، بل تأميماً كاملاً، وبالضبة والمفتاح، فما كان إلا تنفيذ الأوامر يوم الأحد في بيت الأمة (حزب الوفد)، وبحضور النقيب ضياء رشوان، يعني التسليم. ومن غير الغريب أيضاً، أنه من ساعة، أعلنت الأحزاب المدنية هي الأخرى أنها ستجتمع لتدشين أول جبهة مدنية لمواجهة الإرهاب، بكل الأحزاب المدنية، وكأن العشر جبهات التي كونها المستشار أحمد الفضالي لا تكفي.
وهذا هو حال مصر الآن تأميم كامل للصحافة والإعلام والأحزاب، ووضع كل مفاتيح البلد في حجر العسكر. فقد ملت الأحزاب والصحف والإعلام السهوكة والعكشنة، خلال ما يقرب من أربع سنوات، وكل يوم تنفك الحزمة مرة ثانية، وغضب الطلبة على الأبواب، فما كان من السيسي إلا أن جعل حتى المباني الحيوية في حراسة الجيش، كي يطبق عليهم المحاكمات أمام القضاء العسكري، وهل هناك ما هو مقصود غير الجامعات وهل الضحية ستكون غير الطلاب المحتجين على قمعهم؟
عموما ما يهمنا في هذا الموضوع ـ على الأقل الآن ـ هو نقيب الصحافيين ضياء رشوان، وكان قد انتفض ضد الرئيس المعزول محمد مرسي كصنديد بسبب إعلانه الدستوري، فماذا هو فاعل اليوم وقد تحول من نقيب إلى "عكوش" آخر يحمل أنبوبة الجلكوز لنظام يقضي على شرف المهنية الصحافية تماماً. لا بل أكثر من ذلك، يتبنى شخصياً قراراً يؤمم الصحافة ويعسكرها، برضى صناعها أي برضى مالكي ورؤساء تحرير المؤسسات الصحافية، ويتباهون بذلك على الإعلام، على اعتبارهم جزء من "مكافحي الإرهاب" في البلاد.
أما الباقون فأمرهم سهل: الذي حضر إلى بيت الأمة حاملاً الجلكوز للقضاء على مهنية الصحافة تماماً فسنتحدث عنهم تباعاً، من مصطفى بكري، إلى ضياء رشوان وغيرهما من "وجوه" المشهد الإعلامي الحالي في مصر، والذين يتبنون كل بدوره عملية تأميم العمل الصحافي.

المساهمون