"التصريح الأمني" يحكم العمل الصحافي في مصر

"التصريح الأمني" يحكم العمل الصحافي في مصر

04 اغسطس 2019
يتواصل خنق المجال الإعلامي والصحافي في مصر (محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -

وصل خنق مجال العمل الصحافي والإعلامي في مصر إلى مرحلة تستوجب إصدار تصاريح أمنية قبل الدخول لأي مكان أو إجراء أي حوار أو حتى تنفيذ تقرير صحافي يحتاج إلى تصوير مع مواطنين عاديين في الشارع.

هذا التضييق الأمني تكرر كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية، وكانت آخر ممارسة فعلية له يوم الجمعة، عندما ألقت قوات الأمن المصرية في محافظة القليوبية القبض على الصحافيين خالد وربي وهاني شمشون، واحتجزتهما في أحد أقسام الشرطة، لإعدادهما تقريراً عن أسعار الأضاحي في العيد.

وقبل احتجازهما، قال لهم أحد القادة الأمنيين: "لازم تاخدوا تصريح.. لا صحافة إلا بتصريح من الداخلية"، قبل أن يتدخل أعضاء في مجلس نقابة الصحافيين المصرية، للإفراج عنهما. وعلق مقرر لجنة الحريات في نقابة الصحافيين المصرية، عمرو بدر، واصفاً فرض استصدار تصريح أمني بـ "كارثة دفع ثمنها زملاء تم احتجازهم بالساعات أثناء عملهم في الشارع حتى لو بيصوروا المحلات أو إشارات المرور! في بعض الحالات بيتم إحالة الزملاء للنيابة".

وأكد بدر أن لجنة الحريات في النقابة بدأت برصد حالات الزملاء الذين تعرضوا للاحتجاز خلال الفترة الأخيرة، على خلفية "ما يسمى بتصريح التغطية الصحافية غير القانوني"، على حد تعبيره. وأشار بدر إلى أن إجمالي عدد هذه الحالات سيُعلن عنه قريباً.

وفي السياق، أصدرت لجنة الحريات في نقابة الصحافيين المصرية، بشكل عاجل، مذكرة قُدمت يوم السبت إلى مجلس نقابة الصحافيين، ضد "تصاريح التغطية الصحافية"، ونصت على "تعرض الكثير من الزملاء الصحافيين خلال الفترة الأخيرة للاحتجاز من قبل أجهزة الأمن أثناء قيامهم بتغطية أحداث ميدانية، أو أثناء قيامهم بإعداد تقارير صحافية تحتاج إلى التصوير والنزول للشارع، وكانت الحجة التي تتمسك بها وزارة الداخلية كمبرر لاحتجاز الزملاء هي عدم وجود تصريح بالتغطية يصدر عن العلاقات العامة في الوزارة، وهو أمر غير منطقي ويمثل تجاوزا غير مقبول للقانون، فالقانون 180 لسنة 2018، كما تعلمون، قد أباح للزملاء الصحافيين تغطية المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة، كما أباح إجراء اللقاءات مع المواطنين والتصوير في الأماكن غير المحظور تصويرها، واقتصر طلب التصريح حسب نص القانون على (الحالات التي تتطلب ذلك)، وهو ما يعني أن الأصل هو الإباحة، وأن الاستثناء هو طلب التصريح في أماكن محددة يجب إعلانها حتى تكون معلومة للكافة".

كما جاء في المذكرة: "لما كان المنع والاحتجاز قد شمل زملاء يعدون تقارير عن (ترام الإسكندرية) أو أسعار لحوم الأضاحي في الأسواق أو تصوير إشارات المرور أو حتى تصوير أحداث رياضية، ولما كانت فكرة (التصريح) تدمر العمل الصحافي الذي يقوم على السرعة، لا سيما مع انتشار الصحافة الإلكترونية، لكل ذلك أرى أن وزارة الداخلية قد تجاوزت القانون ولم تلتزم بنصه الواضح، وذهبت إلى ما هو أبعد بكثير، هذا التجاوز الذي أراه يضرب المهنة في مقتل وينال من حرية وأمن وكرامة الزملاء الصحافيين".

تجدر الإشارة إلى أن قوات الأمن المصرية ألقت القبض على الصحافية المتدربة في موقع "رصيف 22" وموقع صحيفة البيان الإماراتية، مي الصباغ، يوم 28 فبراير/شباط عام 2018، وبصحبتها المصور أحمد مصطفى، أثناء قيامها بتحقيق مصوَّر عن "ترام الإسكندرية"، قبل أن تقرر نيابة شرق الإسكندرية الكلية إخلاء سبيل الصباغ بكفالة ألفي جنيه ومصطفى بكفالة ألف جنيه على ذمة التحقيقات.

وتكررت مثل هذه الواقعة مع صحافيين آخرين في أحداث أخرى، مثل تغطية حادث حريق محطة قطارات مصر في "ميدان رمسيس" وسط العاصمة القاهرة، وتغطية الأسوار الخرسانية التي يشيدها الجيش المصري على كورنيش الإسكندرية.

وطلبت مذكرة لجنة الحريات في نقابة الصحافيين من النقيب ومجلس النقابة "الطعن أمام القضاء الإداري على قرار وزارة الداخلية بإلزام الصحافيين بالحصول على تصريح أمني قبل التغطية الصحافية، والتأكيد على أن الأصل في القانون هو إباحة تغطية المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة وإجراء اللقاءات مع المواطنين وتصوير الأماكن غير المحظور تصويرها".

كما طالبت بـ"الطعن بعدم دستورية المادة 12 من القانون 180 لسنة 2018 الخاصة بالتصريح باعتبارها تخالف نصوص الدستور التي تكفل حرية الصحافة والنشر"، إضافة إلى "البدء بحوار جاد وعاجل مع وزارة الداخلية وكل المعنيين بالصحافة من أجل توضيح خطورة طلب التصريح على مهنة الصحافة والعاملين فيها، والتأكيد أنه يمثل قيداً مرفوضاً على حرية العمل الصحافي".

وأعلنت اللجنة أنها ستصدر تقريراً دورياً يرصد ظاهرة "المنع والاحتجاز"، على خلفية مطلب "التصريح الأمني" كي يتابع الزملاء الصحافيون "تطور هذه القضية الخطيرة، ومدى نجاح اللجنة في التصدي لكل صور المنع والاحتجاز".

المساهمون