صحافيو ليبيا: تعذيب وهجرة... واغتصاب

صحافيو ليبيا: تعذيب وهجرة... واغتصاب

19 يناير 2016
خلال تظاهرة مندّدة بقتل الإعلامي مفتاح بوزيد (Getty)
+ الخط -
بعد ثورة السابع عشر من فبراير/شباط، انطلقت الوسائل الإعلامية في ليبيا بشكل مهول من حيث القنوات التلفزيونية وقنوات الراديو والصحف الورقية، فأصبحت مساحة الحرية كبيرة بعد عقود من الزمن كان فيها الخطاب واحدًا، فركّزت كل وسيلة إعلاميّة على خطابها من أساس الجهة التابعة لها أو الحزب أو حتى الممولة تمويلاً ذاتيا فأصبحت تتحدث بشكل واسع عن الفساد، ولم تعد سياسة الخطوط الحمراء موجودة لدى أغلب المؤسسات الإعلامية.

بعد انتخابات عام 2012 ونتيجة اكتساح "التيار الليبرالي" لـ"التيار الإسلامي"، أصبح الإعلام يشكل خطراً على من يرى نفسه خاسرًا في الانتخابات. ولأنّ البلاد يتواجد فيها أكثر من 10 ملايين قطعة سلاح، أصبح الإعلامي يخاف على نفسه إن أعلن رأيا مغايراً أو انتقد شخصا يملك مجموعة أو مليشيا مسلحة. فلم تغب عمليات الخطف والتهديد، بل وصل الاغتيال لبعض الإعلاميين، ففي شهر أغسطس/آب 2013، اغتيل الإعلامي عزالدين قوصاد وبعدها الكاتب الصحافي مفتاح بوزيد في مايو/أيار 2014 في مدينة بنغازي التي كانت تسيطر عليها جماعة "أنصار الشريعة" آنذاك.

ومن هنا بدأ مؤشر الخوف لدى الإعلاميين يزداد، ما جعل بعضهم يغادرون البلاد لممارسة عملهم الصحافي من خارج ليبيا. ومن هنا، أصبح الإعلامي هدفاً للمليشيات التي ترى بأنّ الإعلامي سلاح ضدها. وتخطّى الأمر التهديد، ليصل إلى الاعتداء الجنسي، والذي كثر ضحاياه وإن كان أغلبهم لا يريد التحدث خوفًا من تعقبه أو تعقب أهله، فيفضل الصمت. ولا يُعلم العدد الدقيق للصحافيين في السجون، وخصوصاً أنّ سجون المليشيات لا تتبع رسميًا الدولة، فهي تتبع لأمراء مجموعات مسلحة لا يصرّحون بالمعلومات. بينما سجّل عام 2014 أربع حالات قتل لصحافيين في ليبيا بعد سيطرة مجموعة تعرف باسم "فجر ليبيا" على طرابلس.

اقرأ أيضاً: 203 صحافيين معتقلين ومحتجزين في العالم خلال 2015

إلى ذلك، فإنّ الحديث عن العمل الميداني للصحافي أو المراسل التلفزيوني في مناطق الأزمة مثل ليبيا، وتحديدًا في مدينة سرت، يعتبر انتحارًا معلناً لأي صحافي يُفكّر في الذهاب إليها. فهذه المدينة، التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، ترى أن من ليس معها هو كافر مرتد والصحافي ليس استثناءً. فقد أعدم تنظيم "داعش "في العام الماضي شخصين نتيجة للكتابة على سلوكيات التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي. كما توجد عدة مدن خطرة، يصعب فيها العمل الصحافي الحر، وإن كانت أقل عنفًا من مدينة سرت.

أحد الصحافيين، هرب الى ألمانيا بنهاية 2014، بعد أن اعتقلته إحدى المجموعات المسلحة لكتاباته على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، يدين فيها التصرفات التي تمارسها المجموعات المسلحة ضد الصحافيين. وعن ذلك، يقول لـ"العربي الجديد": "جاءني ثلاثة أشخاص الى بيتي في مدينة طرابلس في سيارة تظهر للوهلة الأولى أنها عسكرية وتابعة للدولة. فقالوا لي نريدك في المكتب للتحقيق معك، فلما سألتهم من أنتم وإلى أي جهة تتبعون، اعتدوا علي وأجبروني بالقوة على الركوب بالسيارة". ويضيف: "وضع أحدهم على وجهي قماشة سوداء حتى دخلت إلى مقرهم ولم أعرف أين، فبدأ الاعتداء علي لفظيًا ثم بالضرب وهم يسألونني "إلى أي جهة تتبع ومن يدعمك"؟

ويتابع الصحافي، الذي لم يذكر اسمه لأسباب أمنيّة، "مارسوا عليّ التعذيب النفسي بوضع السلاح في رأسي وقالوا إنّهم سيقتلونني إن لم أعترف. وقبل أن يُطلق سراحي، ضربوني بالعصا الكهربائيّة، وقالوا إنّهم "سيستعملون العنف الحقيقي في المرّة المقبلة إن كتبت عنهم".

أحمد (اسم مستعار) صحافي آخر تعرّض للخطر نتيجة عمله، ويقول لـ"العربي الجديد": "اعتقلتُ أو بالأحرى اختطفتُ نتيجة عملي في إحدى القنوات التي تتبع أحد التيارات السياسية من قبل مجموعة مسلحة تتبع لتيار سياسي آخر. كُنتُ أعمل مراسلا ميدانيا، وكنت أكتب تقارير مصورة. ونتيجة لهذه التقارير التي ربما استفزت التيار الآخر أوقفت في أحد الشوارع العامة وقت صلاة المغرب وجاءني مسلحون وأنزلوني من سيارتي بالقوة واقتادوني لمقرهم. ومن هناك بدأت جميع أصناف التعذيب النفسي والجسدي واللفظي".

ويُضيف: "في كل مرة يناديني أحد المسلحين ويُشغّل أحد التقارير التي صورتها ويجعلني أشاهدها ويسأل عمّا قصدته بتلك الكلمات، بينما يوجّه لي جميع أنواع السباب والركل والضرب". ويتابع أحمد: "كانت أياماً عصيبة عشتها، ففي كل مرة يدخل علي أحد ويقول لي: سنقتلك ونرميك في أحد الطرق لتعلم أننا فوق القانون وفوق كل شيء وفوق الإعلام الذي تمارسه". ويختم أحمد: "أنا الآن خارج ليبيا، ولا أفكر أن أعمل باسمي أو أن يكون وجهي ظاهرا. فعملي الآن مقتصر على تحرير بعض الأخبار في إحدى الصحف الإلكترونية".


اقرأ أيضاً: الاتهامات تلاحق جايسون رضايان خارج السجن

المساهمون