لأنهم يمنعون الفرح عن المصريين

لأنهم يمنعون الفرح عن المصريين

24 ابريل 2015
احد الإعلانات الترويجية للحفلة (فيسبوك)
+ الخط -
لم تعد تربطني بالقاهرة إلا الموسيقى. لا السياسة، ولا الثورة، ولا الصداقات ولا العمل... الموسيقى وحدها تبقي صلتي بهذه المدينة الغريبة قائمة. عندما أشتاق إلى القاهرة أسمع الموسيقى، جرعة يومية من "مسار إجباري" أو "كايروكي" أو "وسط البلد" كافية بالنسبة إليّ. هؤلاء هم القاهرة التي أحبّ، القاهرة التي أحتفظ بذكريات جميلة عن يومياتي فيها، بعيداً عن كل الضجيج الذي يحيط بها اليوم.

يموت الناس في القاهرة، يسجنون، يهاجرون، يدشنون عواصم جديدة، يحكم عليهم بالإعدام، وأنا ثاتبة في مكاني. المكان الذي وقفت فيه عند زيارتي الأخيرة لمصر قبل عام تقريباً. يومها قرّرت أن مصر التي ستبقى في ذاكرتي هي تلك التي يغنّون لها، تلك التي لا تهدأ ثورتها وإن خفت صوت الغاضبين في الشارع. لن أعود إلى هذه المدينة قريباً قلت يومها. وعشت بعدها مع الموسيقى، ومع الأغاني.

أعمل وأنا أسمع الموسيقى، أغضب وأنا أسمع الموسيقى، وأفرح وأنا أرقص على هذه الموسيقى. كان كل شيء في القاهرة يتداعى: الحرية تختفي، القمع يزداد، السجون تكتظ... وبقيت الموسيقى. ثمّ قرّر الأمن سرقة آخر مظاهر الفرح، المتنفّس الأخير للمصريين، ولي، ولنا نحن الذين نحب القاهرة عن بعد: بدأ إلغاء الحفلات، بدأ التضييق على الفنانين الذي يشبهوننا: حمزة نمرة، خالد ابو النجا... ثمّ جاء دور "مسار إجباري" و"كايروكي".
"قرّرت الداخلية إلغاء الحفلة المشتركة بين الفرقتين في الاسكندرية، لأنهما
سلعتان ترفيهيتان تحريضيتان، تغنيان عن السلبيات في البلد ولا تغنيان للإنجازات".
البديهي هو أن نسأل: أين هي هذه الإنجازات للغناء لها؟ لكن دعنا من الكلام السياسي، لنبقَ في الموسيقى: إنهم يكرهون الفرح، يكرهون الموسيقى. لا تطربهم إلا تسلم الأيادي، وعندما ترقّوا بذائقتهم الموسيقية، اختاروا "مصر قريبة" أو "بشرة خير". يريدون للشعب أن يرقص. أن يرقص على كلام أبله، لا علاقة له بالواقع: مصر تزدهر، مصر تحارب الإرهاب، مصر تستقبل القمة العربية، والمؤتمر الاقتصادي، والاستثمارات ستجتاح البلاد. يرددون كل ذلك بغباء، يسمعون التصفيق، وينتشون به. ثم تأتي حفلة صغيرة، في الإسكندرية لتعكّر عليهم صفو التصفيق. لن يسمحوا بارتفاع صوت آخر، لن يغني أحد بعد اليوم "نحنا الشعب بتوع الضرب ببوز الجزمة"، و"مش كراسي وفيها لزقة أو موازنة وفيها زنقة"، و"عايش في القاع وجاني صداع...". لا قاع في مصر "القريبة". فعلاً لا قاع، يصرّ هذا النظام، ومن قبله، ومن بعده ربما، على سحبنا إلى أسفل. يصادرون الفرح، يصادرون آخر ما تبقى لنا.





المساهمون