هل تحسم مواقع التواصل الانتخابات البريطانية؟

هل تحسم مواقع التواصل الانتخابات البريطانية؟

18 ابريل 2015
من المناظرة على BBC منذ يومين (Getty)
+ الخط -

دأبت الصحف البريطانية على التنافس في المواسم الانتخابية لاستعراض عضلاتها السياسية على المرشحين، وإبراز تأثيرها على الرأي العام. وتتباهى الصحف "الشعبية" إذا ما تبنّى مرشح ما توجهاتها، لتزعم الانتصار في فرض أجندة قرائها، وتغضب إذا ما تجاهلها مرشح ما لتصب عليه حمم النقد اللاذع، والتحريض الصارخ.

ولكن الأسئلة المطروحة اليوم في أجواء الانتخابات العامة البريطانية المقررة يوم 7 مايو/أيار المقبل، تتعلق بأي تأثير للصحف البريطانية في أصوات الناخبين في زمن الإعلام الإلكتروني الجديد؟

تشير عناوين المقالات والمتابعات في مختلف وسائل الإعلام البريطاني الى أن انتخابات 2015 تختلف عن كل ما سبقها من انتخابات عامة، لأنها الأولى التي تجري وسط هيمنة الإعلام الاجتماعي الجديد، وتراجع الإعلام التقليدي على أكثر من مستوى. فمنذ آخر انتخابات عامة جرت في العام 2010، شهدت بريطانيا طفرة لافتة في انتشار واستخدام منصات الإعلام الجديد، لا سيما "تويتر". حتى الملكة اليزابيث الثانية، ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون انضما الى 15 مليون مستخدم لـ"تويتر" و31 مليون حساب "فيسبوك" في المملكة المتحدة. ومع هذه الأرقام لم يعد بإمكان أحد تجاهل "حمّى" الانتخابات لا سيما الشباب الذين عادة لا تجذبهم الحملات الانتخابية.


مواقع التواصل تدخل الساحة

تتمثل نقاط قوة الإعلام الجديد في ثلاث مستويات، الأول أنها بلا رأس، وبلا أجندة، إذ يمكن للمرشحين والأحزاب السياسية توظيفها كمنصة لترويج البرامج الانتخابية والتواصل مع قواعد الناخبين، من دون الخضوع لضغوطات وإملاءات من أحد، كما كان الحال في زمن هيمنة وسطوة وسائل الإعلام التقليدية، يوم كان رؤساء تحرير الصحف يفرضون أجنداتهم على المرشحين.

الأمر الآخر أن وسائل الإعلام الجديد، وفرت للأحزاب السياسية والمرشحين منصات إعلان نافذة لبث الإعلانات السياسية وأشرطة الفيديو الى جمهور عريض من الناخبين، دون تقييد أو مساءلة من سلطة هيئة الاتصال والإعلام البريطانية التي تمنع حملات الدعاية السياسية على قنوات التلفزيون ومحطات الإذاعة في المملكة المتحدة، ولا سلطة لها على الإعلام الإلكتروني بعد.

وباتت وسائل الإعلام الاجتماعي أيضاً محط اهتمام الأحزاب السياسية لاستقطاب شريحة هامة من الناخبين، وهي شريحة الشباب التي غالباً ما كانت لا تشارك في العملية الانتخابية. فقد كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "ابسوس موري" أن أكثر من ثلث الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18-24 سنة قالوا إن تصويتهم في الانتخابات المقبلة سوف يتأثر بما يقرأونه على وسائل الاعلام الاجتماعي. وجاء الإعلام الاجتماعي في المرتبة الثانية بعد المناظرات التلفزيونية من حيث التأثيرعلى خيارات الناخبين الشباب. ولا شك أن حزب العمال سوف يلتفت الى هذه الأرقام، خاصة وأنه أكثر الأحزاب قبولاً بين الشباب مقارنة بحزب المحافظين المنافس والأحزاب الأخرى.

إقرأ أيضاً: الانتخابات البريطانية: لوبي إسرائيل يحشد للمحافظين

وتشير دراسة مسحيّة أجرتها مؤسسة "أي أم أر" أن حزب الاستقلال اليميني هو الأكثر نشاطاً على "فيسبوك"، بينما يتقدم حزب العمال على "تويتر"، ويتصدر المحافظون "لينكد إن".

المناظرات التلفزيونية أولاً

منذ يومين أُجريت مناظرة تلفزيونيّة بين المرشحين على قناة BBC. وتُظهر نتائج استطلاع "ابسوس موري" أن البريطانيين يقدرون بشكل إيجابي مواقع ومنصات الإعلام الاجتماعي. ويرى ما يقارب من 80 في المائة من الناس أن وسائل الاعلام الاجتماعي أتاحت فرصة المشاركة في النقاش السياسي لأشخاص عادة لا يُسمع صوتهم.

ومع ذلك، فإن الأهمية المحتملة لوسائل الإعلام الاجتماعي لاسيما بين الشباب، لم تلغ أهمية الإعلام التقليدي عن الشرائح العمرية الأخرى. فقد عبر 40 في المئة من المشاركين عن تأثير
المناظرات التلفزيونية بين زعماء الأحزاب المتنافسة على تصويتهم في الانتخابات المقبلة، تليها الصحف بنسبة 20 في المئة. وجاء الإعلام الاجتماعي في المرتبة الثالثة. وقال بوبي دافي، المدير التنفيذي لمعهد "ايبسوس موري" للبحوث الاجتماعية، "مستخدمو وسائل الإعلام الاجتماعي أذكياء، لا يهملون مصادر الأخبار التقليدية تماماً، ويستخدمون الوسائل الجديدة لتعزيز قدرتهم على وقف التدهور في المشاركة السياسية، ولا سيما بين الأجيال الشابة".

تراجع الصحف... بالأرقام

وتكشف أرقام توزيع الصحف عن انخفاض مكانة الصحافة بعد انتشار وسائل إعلام حرة جديدة مثل تويتر، الفيسبوك، وغيرها من منصات الإعلام الجديد.
وقد تراجعت مبيعات الصحف اليومية البريطانية بنحو نصف مليون ‏نسخة في المتوسط خلال
الفترة من شهر مارس/آذار 2014 وحتى مارس/ آذار الماضي. وطبقاً لصحيفة "الجارديان" فإن إجمالي عدد الصحف الوطنية التي تباع فى المملكة ‏المتحدة انخفض من 7.5 ملايين نسخة يومياً إلى أكثر بقليل من 7 ملايين نسخة بين شهري ‏مارس 2014 ومارس 2015، بانخفاض بنسبة 7.6 في المئة.‏


إقرأ أيضاً: أوروبا العقدة الأصعب في الانتخابات البريطانية

وتراجعت مبيعات صحف "ذي صن" و"ديلي سبورت" و"ديلي ريكورد" بأكثر من 10 في المئة، بينما سجلت صحيفة "الميرور" انخفاضاً طفيفاً في مبيعاتها بنسبة 6.74 في المئة. وسجّلت صحيفة "الجارديان" أعلى نسبة هبوط بين الصحف بتراجع مبيعاتها بنسبة 9.5 في المئة لتصل إلى 174 ألفاً و941 نسخة.

وسجلت صحيفة "الديلي تليجراف" تراجعاً كبيراً خلال العام ‏الماضي إلى 479 ألفاً و290 نسخة بنسبة 8.4 في المئة رغم الحماية الجزئية التى يوفرها للصحيفة عدد ‏المشتركين الكبير الذين يشكلون 58 في المئة من إجمالي توزيع الصحيفة. كما تراجعت مبيعات صحيفة "الديلي ميل" 4.7 في المئة مقارنة بالعام الماضي إلى 1.6 مليون ‏نسخة. وسجلت صحيفة "ذي تايمز" أفضل أداء، حيث تراجعت مبيعاتها 0.9 في المئة فقط إلى أقل من ‏‏390 ألف نسخة، وانخفضت مبيعات نسخ صحف يوم الأحد بشكل أكبر من نظيراتها اليومية بنسبة 12% ‏فى المتوسط. ويبلغ متوسط مبيعات صحف الأحد في بريطانيا حالياً 6.6 ملايين نسخة كل ‏أسبوع، مقارنة بـ7.3 ملايين نسخة في مارس العام 2014. ‏

هذه المستجدات التي تعني أفول نجم الصحافة التقليدية ونفوذها، وسطوع نجم الإعلام الاجتماعي الجديد، يتلمسها ويدركها الساسة المتنافسون في انتخابات 2015، وهم يقدرون أن أي استراتيجية انتخابية تُبنى على أساس إرضاء الصحافة سيكون مصيرها الفشل، وبالمقابل على أي حزب سياسي جاد في السعي للفوز في الانتخابات المقبلة، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بكسب أصوات الشباب، امتلاك استراتيجية انتخابية رقمية تفتح له آفاقاً رحبة وحرة للتواصل مع الناخبين على امتداد الخارطة الانتخابية.