العدالة تحت إشراف الداخلية المصرية

العدالة تحت إشراف الداخلية المصرية

02 مارس 2015
الصحافي المعتقل أحمد جمال زيادة
+ الخط -
 في 28 ديسمبر/ كانون الأوّل  2013 كانت جامعة الأزهر فرع القاهرة، تظللها سحابة بيضاء كثيفة، لم تكن تحمل الخير، بل كانت سحابة من الغاز المسيل للدموع الذي تمّ إطلاقه بكثافة غير مسبوقة، داخل الحرم الجامعي. وكلية تلتهم جدرانها ومحتوياتها النيران وسط الجامعة "كلية التجارة"، وطلاب يؤدون الامتحانات، وجنود ومدرعات تحاصر الجامعة من الخارج والداخل، في مشهدٍ أشبه بمعسكرات تدريب الأمن المركزي. لم يعلم الطلاب أنهم سيخرجون من الحرم الجامعي الذي أصبح شبيهاً بمعسكر قوات الأمن المركزي، إلى معسكر قوات أمن مركزي حقيقي.

في إطار تلك الأحداث، هناك عشرات الطلاب والطالبات قُبض عليهم، كما قُبض أيضاً على مصور صحافي في "شبكة يقين الإخبارية" هو أحمد جمال زيادة. ذهبت بهم قوات الشرطة ليس هذه المرّة إلى قسم شرطة مدينة نصر ثاني، مكان الاحتجاز القانوني، ولكن ذهبت إلى معسكر قوات أمن السلام للأمن المركزي. ومنذ تلك اللحظة بدأت الانتهاكات... إن لم تعِ سيدي أنها بدأت منذ القبض العشوائي من داخل الجامعة، ومن داخل لجان الامتحانات في الجامعة وخارج أسوار الجامعة أيضاً على الطلاب، وطال ذلك القبض مصوراً صحافياً في شبكة يقين، كان هناك بالجامعة يغطي أحداث الجامعة.

[اقرأ أيضاً: مصر: مطالبات مستمرة بالإفراج عن الصحافيين المعتقلين]

كانت الساعة حوالي الرابعة عصراً، نعلم مكان احتجاز المقبوض عليهم في تلك الأحداث، ونذهب إلى معسكر قوات أمن السلام، وننتظر وصول النيابة العامة للمعسكر لبدء التحقيق مع المقبوض عليهم، يخطرنا أحد ضباط تأمين المعسكر أنه لا بد من إعداد قائمة بأسماء المحامين، لكي نتمكن من الدخول للمعسكر لحضور التحقيقات. تصل النيابة إلى المعسكر في حوالي الساعة السادسة مساء، ونتمكن من دخول التحقيقات بعد مشادات وصلت لحد الشجار، لنتمكن من الدخول لحضور التحقيقات. لنجد سيارة نقل مجندين تنتظرنا خلف البوابة الرئيسية. ويخبرنا الضابط أننا سننتقل لمكان التحقيقات داخل المعسكر، بواسطة هذه السيارة غير الآدمية بالمرة. نرفض ذلك أنا ومجموعة من الزملاء المحامين، فيخبرنا الضابط أنها الوسيلة الوحيدة، وأن من يعترض على ذلك لن يتمكن من حضور التحقيقات؛ حيث إن هذا المكان منشأة عسكرية ولا يمكننا التجول فيها بسبب طبيعتها. وكأننا نحن الذين أخبرنا وزارة الداخلية باحتجاز هؤلاء داخل معسكر قوات أمن، وأخبرنا السيد المحترم النائب العام وأعضاء النيابة العامة بمباشرة عملهم داخل معسكر قوات أمن!

وحرصاً على حضور التحقيقات مع هؤلاء المظاليم، اضطررنا للدخول بهذه الطريقة المهينة لنا. وتيقنت في تلك اللحظة أنه سيكون هناك الكثير من الانتهاكات، وبعد الدخول للمكان المقرر أن تقوم النيابة العامة بمباشرة التحقيقات فيه. نجد السادة وكلاء النيابة جالسين في صالة مساحتها عبارة عن 12 متراً، فيها أكثر من 6 وكلاء نيابة، يجلسون بجوار بعضهم والمكان يمتلئ بالجنود والضباط. وهناك غرفتان في آخر هذه الصالة نكتشف أن بهما المقبوض عليهم، كان عددهم 70 طالباً وطالبة والمصور الصحافي أحمد جمال زيادة.

تبدأ التحقيقات وهي تفتقر إلى جميع ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، فهناك إرهاب معنوي يحدث للمقبوض عليهم أثناء التحقيقات، حيث يقف خلف كل شخصٍ يتم التحقيق معه جندي، وخلف كل وكيل نيابة جندي آخر، وهناك عدد من ضباط الشرطة يتجولون في المكان. ولك أن تتخيل رهبة القبض العشوائي على طالبٍ في طريقه لأداء اختبارات كليته، لكن قدره ساقه إلى معسكر للأمن المركزي، لا لشيء إلا لأنه طالب بجامعة الأزهر، ليعقب ذلك تعرضه لشتى أنواع الاعتداء البدني والمعنوي، ويتبقى له أمل أنه سيذهب حتما للنيابة، وسيروي كل ما تعرض له، ليفاجأ أن النيابة هي من أتى له لتحقق معه في نفس مكان احتجازه، على مرأى ومسمع ممن أذاقوه أشكالاً مختلفة من الاعتداء والإهانات.

وسط كل هذا الهراء الذي يحدث داخل صندوق الانتهاكات القانونية، نجد أحد الضباط يأمر إحدى الطالبات المقبوض عليهن وهي منتقبة بخلع النقاب. ويقوم أمام أعين حماة العدالة "وكلاء النائب العام" بتصوير الطالبة، فنقوم بالاعتراض على ذلك، ونطلب من أعضاء النيابة العامة إثبات تلك التجاوزات في محضر التحقيق. وأنه هناك بطلان في إجراءات التحقيق، لما يمثله مكان التحقيقات من إرهاب معنوي على المقبوض عليهم أثناء التحقيق معهم، فيرفض أعضاء النيابة الطلبات، ويقولون لنا نصاً "اللي مش عاجبه يمشي، إحنا مش فاضيين وعايزين نخلص ونمشي من هنا"، فكيف سيقوم هذا الشخص بطلب إثبات التجاوزات التي حدثت في حقه، وكيف سيتهم الداخلية بذلك وهو يتم التحقيق معه في معسكر قوات أمن تابع للداخلية.

[اقرأ أيضاً: مصر: عدد الصحافيين المعتقلين... مجهول]

لكم أن تتخيلوا أحراز هؤلاء الطلاب، كانت الأحراز مذكرات وكتباً وأدوات الدراسة وبعضاً من الشيلان، وكان هناك حرز آخر هو كاميرا ولاب توب خاصان بالمصور الصحفي أحمد جمال زيادة.

تنتهي التحقيقات في ليلةٍ غاب عنها القانون والعدل، ترفض النيابة إثبات تلك التجاوزات والانتهاكات بمحاضر التحقيق مع المقبوض عليهم، وأيضا ترفض قوات الداخلية دخول أي مأكولات أو مشروبات أو ملابس للمقبوض عليهم.

سأروي عليكم بعضاً من قصص القبض على الطلاب والمصور، "هناك أحمد شمس الدين الطيار طالب بكلية تربية رياضية جامعة الأزهر، كان ذاهباً لأداء الامتحان، فيجد باب الجامعة مغلقا، وهناك عساكر ومدرعات أمن مركزي كثيرة تقف على بوابات الجامعة، فيذهب إلى أحد الضباط ليأذن له بالدخول لأداء الامتحان، فيجيبه الضابط "إنت جاي علشان الامتحان، فيحيبه أيوه، فقال له نصا "ماشي" وينادي على عسكري ويقوله يبني فاضل كام مكان في المدرعة يقولوا يا باشا ناقص واحد فيرد الضابط على العسكري خد دا واطلع بالمدرعة".

وهناك أحمد جمال زيادة. كان لديه "أوردر" تصوير في هذا اليوم بجامعة الأزهر لمتابعة أحداث الجامعة، فيتم القبض عليه لمجرد أنه يحمل كاميرا ويقوم بتصوير ما يحدث بالجامعة من انتهاكات.

وهناك فتاة تمّ القبض عليها لأنها شاهدت أحد الضباط يعتدي على طالبة، فقامت بمحاولة إنقاذها من بين يديه، فما كان مصيرها إلا أن تمّ القبض عليها هي الأخرى.

ومن هنا ننتقل إلى رحلة الحبس الاحتياطي الذي يطول دون مبرر قانوني، والذي أصبح عقوبةً لكل من يُقبض عليه في قضية سياسية أو يعارض النظام.

يستمر الحبس الاحتياطي لمدة أكثر من 7 أشهر، ثم تتم إحالة القضية لمحكمة استئناف القاهرة، لتحديد دائرة جنايات لنظر القضية، بدون أي دليل واضح على هؤلاء الطلاب والمصور الصحفي الذي كان يؤدي عمله في ذلك اليوم داخل الجامعة، كما أثبتنا ذلك للنيابة من تقديم أوراق من الشبكة الإخبارية التي يعمل بها، ولكن لأن هناك نهجاً للدولة تتبعه وهو طمس الحقائق، ومن يريد أن يظهر أي جانب من الحقيقة للمواطن البسيط سيقبض عليه ويحاكم بتهم لم يرتكبها.

ثمّ بعد أكثر من 6 أشهر دون جلسات، منذ تاريخ إحالة القضية لتحديد دائرة لمحاكمة الطلاب والصحافي، تمّ تحديد الدائرة 15 جنايات إرهاب القاهرة لنظر القضية، لنفاجأ في أول جلسة أن الداخلية لم تقم بنقل الطلاب والصحافي لمقر انعقاد الجلسة بأكاديمية الشرطة، وتُعقد الجلسة وتصدر الدائرة قرارها بوجود مانع قانوني لدى الهيئة من نظر الدعوى، وسيتم إعادتها لمحكمة استئناف القاهرة مرة أخرى لتحديد دائرة أخرى، ومنذ أسبوعين تمّ تحديد الدائرة 21 جنايات إرهاب القاهرة.

أريد أن أذكر شيئاً آخر، هناك جرائم قد حدثت داخل الجامعة، وكان السبب فيها الدولة بسبب اللجوء للحل الأمني فقط، وقمع الحراك الطلابي داخل الجامعات، هناك جرائم ارتكبت من بعض الطلاب داخل الجامعات؟ نعم حدث ذلك.

ولكن الجهاز الأمني لم يستطِع القبض على الفاعل الحقيقي في القضية، وقام بالقبض العشوائي على الطلاب والطالبات والصحافي، حتى يظهر أمام النظام أنه يقوم بعمله.

لا بد أن يعلم الجميع أنه هناك الكثير من المحجوبين عن العدالة.

*ناشط حقوقي، محامي الصحافي المعتقل أحمد جمال زيادة

المساهمون