المأساة في سنجار.. مجازر أيزيدية في القرى العربية

المأساة في سنجار.. مجازر أيزيدية في القرى العربية

27 يناير 2015
مقاتلون أيزيديون في منطقة جبل سنجار(فرانس برس)
+ الخط -

يجلس جواد مطر الجحيشي، منتحباً وسط جثث ثلاثة من أبناء عمومته تم إخلاؤهم بعد الهجوم المروّع الذي تعرضت له القرى التي يسكنها مع أفراد عشيرته في منطقة سنوني، غرب محافظة نينوى في شمال العراق، على أيدي قوة تتألف معظمها من مسلحين إيزيدين وبمساندة عناصر من حزب العمال الكردستاني، الذين خلفوا بعد ساعات من الهجوم خمس قرى محروقة بالكامل، بالإضافة إلى 19 قتيلاً من أقرباء الجحيشي، فضلاً عن جرح عدد مماثل وفقدان 44 آخرين مع ترجحيات بارتفاع الخسائر البشرية بسبب الهجوم المتواصل.

بعد حالة من التردد والتشكيك في القدرة على الكلام، يوافق الجحيشي على الحديث هاتفياً إلى "العربي الجديد"، يروي تفاصيل مجزرة الأحد الماضي حين وصلت عشرات السيارات ذات الدفع الرباعي المزودة بالرشاشات الثقيلة إلى مشارف قرية "سيباية" في ساعة مبكرة، بدأت بإطلاق النيران بشكل عشوائي على جميع السكان الذين كانوا يتجهزون للخروج إلى أعمالهم اليومية.

يضيف الجحيشي، أن جميع المتواجدين في ساحة القرية قُتلوا على الفور في حين هرب الباقون من الجهة الخلفية لمنازل القرية بشكل جماعي، مبيناً أن إخلاء الأطفال وكبار السن كان سبباً في زيادة عدد الضحايا الذين تم نقلهم بعد فراغ المهاجمين من سرقة جميع محتويات المنازل والمخازن الزراعية واصطحاب عدد كبير من الأسرى، توجه بعدها المهاجمون لقتل ونهب مناطق أخرى قريبة.

في محاولة لاستجماع أفكاره ووسط نشيجه المتواصل، يوضح الجحيشي أن معرفة المهاجمين لا تحتاج إلى خبرة فجميعهم من ذوي الشوارب الكثة واللحى وهي صفات تميز جميع الرجال الأيزيدين الذين شكلوا مع مقاتلين أكراد من سورية وتركيا قوة تفرض هيمنتها على مدينة سنجار غرب مدينة نينوى العراقية، أعلنوا في وقت سابق عن تشكيل إدارة ذاتية فيها بمعزل عن الحكومة العراقية.
الحرق والنهب
حين يعجز الجحيشي عن مواصلة الحديث، يسلم الهاتف لابن عمه أبو بلال الذي يبدأ من آخر المستجدات وهي حرق قرية الجري في ذات المنطقة بعد الفراغ من إحراق ونهب قرى "رجم العبد وأم الخيارى وخلف الساير وأم الدنابك" على التوالي، توقف القتلة مؤقتاً بسبب استجماع العشائر العربية في المنطقة لصفوفها وتعزيزها بمتطوعين من المناطق المجاورة لصد الهجوم، مبيناً أن نقص السلاح والذخيرة لديهم تسبب في وقوع العديد من الضحايا لعدم وجود من يجهزهم بها على العكس من الطرف المهاجم.

يؤكد أبو بلال لــ"العربي الجديد"، أن زعيم المهاجمين الأيزيدين هو المدعو قاسم ششو، ويساعده اثنان من المعاونين وهما الشقيقان خلاد شيخ وخليل شيخ، وجميعهم يتزعمون حملة التطهير ضد المكون العربي في المنطقة بداعي الثأر لهجوم داعش على مناطق الأيزيدية في شهر يوليو/ تموز من العام الماضي، مضيفاً أن احتواء داعش على عناصر عربية لايبرر لهم هذه الجرائم، وأن عليهم في المقابل أن ينتقموا من العناصر الكوردية أو الأوروبية الذين يشكلون نسبة غير قليلة في صفوف داعش.
يوضح الناجي أبو بلال، أنهم دفنوا حتى الآن 19 شهيداً من أبناء القرى المدمرة ويحاولون علاج 20 مصاباً وبإمكانيات بسيطة لتعذر إيصالهم إلى المستشفى، فيما وثقوا إحصائية من 44 مفقوداً بينهم نساء وأطفال يعتقدون بأن المهاجمين نقلوهم معهم للتنكيل بهم واستعراضهم في مناطقهم للتدليل على نصر مزعوم أحرزوه ضد سكان مدنيين وقرى فقيرة، بحسب قوله.

غض الطرف من الحكومة
بعيداً عن قرى الجحيش وما يدور فيها، فإن العميد المتقاعد أسعد خلبوص الجبوري يرى أن الحادثة الحالية ليست فردية أو رد فعل بقدر ماهي خطة ممنهجة تتم باجتماع الإمكانات العسكرية لحزب العمال الكردستاني بفرعيه السوري والتركي ووفرة العناصر البشرية من المكون الأيزيدي والغطاء الجوي الأميركي، هي جميعاً تمثل قوة ضاربة وتعتمد على مقبولية وغض نظر من الحكومة العراقية، تحت لافتة الثأر لما حل بالأيزيدين في سنجار.

يشير الجبوري في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن تكافؤ الموازين القتالية لاوجود له نهائياً بين قوة مسلحة دولياً وتم تجهيز الرأي العام مسبقاً للقبول بأفعالها، وسكان قرى لا يمتلكون أي شيء من السلاح بعد تجريدهم منه لعدة مرات من قبل قوات الأمن العراقية أو مقاتلي "داعش" أو حتى القوات الكردية النظامية، والذين تخلوا جميعاً عن هذه المنطقة وتركوا سكانها يواجهون مصيراً لا يمكن وصفه ألا بأنه "إبادة منظمة".

إلى ذلك اتهم الناشط في مجال حقوق الإنسان صفاء الجحيشي، الجهات الحكومية والمنظمات الإغاثية بالازدواجية والنفاق إزاء الأزمات الإنسانية في العراق، موضحاً أنها تحركت بكل جهدها لإيصال المساعدات إلى النازحين الأيزيدين على جبل شنكال وسخرت الطائرات وكل الوسائل الأخرى، ولكنها تدير وجهها عن مأساة كبيرة جداً تدور فصولها في القرى العربية بمناطق غرب نينوى.
وقال الجحيشي، لـ"العربي الجديد"، إن المئات نزحوا من القرى العربية هرباً بحياتهم من عمليات القتل المنظم على أيدي المليشيات الايزيدية وحليفها حزب العمال الكردستاني، ولايجدون أي طعام أو ماء بعد أن تمت محاصرتهم، لافتاً إلى حوادث رهيبة حصلت هناك بعد أن أحرقت منازل على ساكنيها وسقط عشرات الأطفال والنساء باستهداف مباشر سواء بنيران الأيزيدين وحزب العمال أو بالطيران الدولي، الذي قتل عائلة مؤلفة من 14 شخصاً حين استهدف منزلهم في ذات المنطقة دون أن يتمكن أحد من الوصول إليهم وانتشالهم.
يعرض الجحيشي بواسطة حاسوبه المحمول صوراً يؤكد حصوله عليها من محاصرين في قرية تسمى البزونية وهي مجاورة للقرى التي تمت مهاجمتها، وتظهر فيها عملية تجميع لعدد من جثث القتلى تم إخلاؤها إلى داخل (مسجد سلمان علي) لتعذر الوصول إلى المقبرة ودفنها حيث تقوم المليشيا الأيزيدية باستهداف كل شخص في الجوار.

توازن القوى
مع إصرار العديد من الأطراف السياسية على التقليل من شأن المجزرة الحاصلة في سنجار، فإن محافظ نينوى أثيل النجيفي دعا الحكومة المركزية وإقليم كوردستان إلى خيارين وهما فرض القانون على الجميع ومن دون استثناء، أو إحداث توازن في القوى يمنع استقواء أحد الأطراف على الطرف الآخر.

وقال النجيفي، في بيان، إنه أحصى مقتل 20 رجلاً واثنين من النساء من العشائر العربية في هجو مليشيات أيزيدية على قرى عربية، داعياً إلى التحاق فوري لأبناء هذه العشائر في تشكيلات أمنية، ومنحهم رخصاً لحمل السلاح من أجل الدفاع عن أنفسهم.

إلى ذلك استبعد المحلل السياسي عدنان الحاج، أن تؤدي المواقف والمبادرات السياسية إلى حل حقيقي لكارثة سنجار التي تشهد مخططاً يجري تنفيذه من أجل تغيير ديموغرافيتها وإخلائها من المكون العربي ويستحوذ عليها خليط من الأيزيدين والمقاتلين الاكراد السوريين والأتراك، والذين باتوا يرفعون علم حزب العمال في العديد من مناطقها، ويؤكدون قيام حكم ذاتي فيها.

وأشار الحاج، في تصريحات لــ"العربي الجديد"، أن ترتيبات مناطق محافظة نينوى في شمال العراق هي جزء من خريطة غربية يتم رسم وتثبيت ملامحها حالياً، حيث تجد قوات عراقية كردية تسيطرعلى مناطق سورية، وقوات كردية أخرى من تركيا تأخذ حصتها من الأراضي العراقية، وتفرض فيها الأمر الواقع وبقوة السلاح، في وقت يختفي تماماً دور الحكومتين العراقية والسورية.

يخلص الحاج إلى أن العراق يعيش مرحلة الدولة الخجولة وسطوة المليشيات والتنظيمات المسلحة بامتياز، إذ يأخذ كل طرف ما يشاء من الأراضي ويفرض سلطته عليها ويتوسع تدريجياً فيها، وجميع الترتيبات تتم برضا دولي يتراوح بين التأييد والدعم وغض النظر، مستدركاً بأن الجميع يبدو بها رابحاً إلا الطرف العربي عموماً والسني منه على وجه التحديد.