جرحى الجيش الحر غاضبون من مؤسسات الثورة السياسية

جرحى الجيش الحر غاضبون من مؤسسات الثورة السياسية

إسطنبول

ألكسندر أيوب

avata
ألكسندر أيوب
20 اغسطس 2014
+ الخط -


ما إن تطأ قدماك تلك المنازل حتى تشعر بخذلان الثورة السورية، بيوت قديمة متناثرة في مختلف المدن التركية؛ اسطنبول، غازي عينتاب، أورفا، الريحانية، يسكن كل منها عشرات من عناصر وضباط الجيش الحر أصيبوا أثناء المعارك مع قوات النظام، فاستدعت جراحهم نقلاً إلى الأراضي التركية بحثا عن العلاج "الغائب".


وعلى الرغم من استمرار معاناتهم بسبب تجاهل قياداتهم السياسية، فإنهم لا يزالون يحتفظون بمعنويات عالية وإصرار على العودة لجبهات القتال، كما يروون لـ"العربي الجديد".

الحال في تركيا

"لم يكن أمامنا سوى تركيا، إذ لم يبق غيرها من الدول التي تستقبلنا، فبعض جرحى الجيش الحر يموتون على الحدود الأردنية ولا يسمح لهم بالدخول لتلقي العلاج"، هكذا بدأ قائد "لواء الرحمن"، أبو قتيبة، حديثه لـ"العربي الجديد".


يضيف أبو قتيبة "المشافي الحكومية التركية تقدم علاجاً مجانياً لجميع السوريين، بمن فيهم عناصر الجيش الحر، إلا أن الحالة الصحية لبعض العناصر تستدعي مستشفيات خاصة أو علاجاً في الخارج، كتركيب مفاصل وأطراف صناعية وغيرها من الحالات الخطيرة، لكن الائتلاف الوطني المعارض والحكومة المؤقتة عاجزان عن تقديم أي شيء لهؤلاء الجرحى".




ذهبنا إلى منزل على أطراف إسطنبول، حيث يقيم الملازم أول، أحمد السيد، ومعه 9 عناصر من الجيش الحر من كتائب ومحافظات متنوعة تختلف درجة إصاباتهم من شخص إلى آخر.
يتحدث السيد لـ"العربي الجديد" بقهر عن حاله قائلاً "قدمت إلى تركيا منذ 6 أشهر، بعدما انفجرت بي عبوة ناسفة كنت أقوم بتصنيعها، وعلى مدى 6 أشهر لم يقدم لي أي شيء على المستوى المادي أو الطبي، ووضعي الصحي متدهور".


ويضيف الملازم السيد بصوت مخنوق "هناك من هم أسوأ حالاً مني، ولكن الكل متساوٍ في الإهمال والمعاملة السيئة من قبل المؤسسات الممثلة للثورة، حاولنا الاتصال بقيادة الأركان والائتلاف والحكومة المؤقتة ولكن لا حياة لمن تنادي".


ويتابع بأسى "إذا كنت مصاباً تتبع لفصيل معين، أو تشكيل عسكري محسوب على طرف معين، أو لك علاقة بأحد أعضاء الائتلاف والحكومة فإنك تتلقى العلاج، أما غير ذلك فأنت مشروع عاجز أو ميت".


يتدخل أحد عناصر الجيش الحر ممن يستمعون للحديث، ويقطع حديث الملازم أحمد على استحياء قائلاً: "اسمى لؤي، مقاتل من حمص، وربما لا يحق لي الحديث فأنا أجد من يعالجني، ولكن الأصدقاء والاقارب يعانون ولا يجدون من يساعدهم والمعركة مستمرة ولا أحد يعلم إلى متى، وهناك مئات الجرحى على الطريق، من سيتكفل بهم؟".

ليس العلاج فقط

في مدينة "الريحانية" جنوب تركيا، يوجد منزل التاجر السوري خالد مصطفى. فتح مصطفى منزله لاستقبال الجرحى، إذ يقيم عنده 15 جريحاً من عناصر الجيش الحر، منهم من رفض الحديث لقوله "لم يبق وسيلة إعلامية إلا وصورت جراحنا"، آخرون استفزهم أن يراهم أحد بوضع العاجزين.


سامر الحمصي، أحد الذين بادروا بالحديث قائلاً: "المسألة لم تعد تتوقف على العلاج، فالكثير منا يئس في أن يجد جهة تعالجه منذ 4 أشهر، لا نستطيع مراجعة طبيب أو حتى الخروج من المنزل، إذ لا يملك أحدنا ولا ليرة في جيبه، ولولا هذا الرجل الذي يدفع يدل إيجار المنزل لبتنا في الحدائق والشوارع".




مثنى مرهج تشجع على الحديث بعد انفعال سامر، وهو الذي بترت ساقه اليمنى على جبهات القتال في حلب. يتحدث بحرقة عن معاناتهم قائلاً "ضاقت بنا الأمور لدرجة لا يستوعبها أحد، هناك أمور نخجل حتى أن نتحدث بها، فنحن نعيش منذ جئنا إلى هنا على وجبة واحدة في اليوم، وأحياناً يمر يوم كامل لا نأكل فيه".




يخرج مثنى من الغرفة مع ألف سؤال يطلقه في الهواء، كلها تطلب إجابة لسؤال أين ذهبت مصادر الدعم التي تأتي للمعارضة السورية؟


رامي صالح، شاب في العشرين من العمر، أصيب في مدينة "جسر الشغور" بريف إدلب، يقطن ضمن منزل مخصص للجرحى في مدينة اسطنبول مع 11 شاباً مصاباً.


يروي رامي لـ"العربي الجديد" جزءاً من معاناته في بحثه عن العلاج قائلاً "اتصلت بالدكتور أحمد طعمة على جواله الشخصي عندما كان على رأس عمله بالحكومة السورية المؤقتة وطلبت منه إيجار المنزل فقط، فأعطاني رقم هاتف شخص طلب مني أن أتوجه إليه لأخذ قيمة الإيجار، وعندما اتصلت بالرجل أجاب بأنه لم يتصل به أحد، وصلاحياته لا تسمح له بإعطاء أي مبلغ نقدي".


يتدخل مراد من حي الخالدية بحمص القديمة، مقاطعاً رامي بالقول "وضع مخجل، نسكن في منازل لا تصلح حتى للحيوانات، فكيف لجرحى، وأعضاء الائتلاف في نفس المدينة، يسكنون في أفخم الشقق والفنادق".


أما أنس مصطفى، ضابط منشق، ومصاب يقطن في نفس المنزل، بدا أقل توتراً من مراد، ولكن أكثر حرقة، يقول لـ"العربي الجديد" "حاولنا الاتصال بوحدة التنسيق والدعم "ACU" التي تديرها سهير الأتاسي، وبعد تحديد موعد التقينا بمجموعة على أنهم مندوبو وحدة التنسيق والدعم، واطلعوا على أوضاعنا الصحية وباعونا وعوداً معسولة، ثم رحلوا". يستدرك رامي "إذا كانوا غير قادرين على دعمنا وعلاجنا، ليوجهوا المنظمات العالمية إلينا على الأقل".

لا حياة لمن تنادي

"العربي الجديد" حاول الاتصال بـ "وزارة الصحة" ضمن الحكومة السورية المؤقتة فلم يتجاوب معه أحد وهو ما تكرر لدى محاولتنا التواصل مع "وحدة التنسيق والدعم للجرحى" وكذلك الائتلاف الوطني والعديد من الهيئات الإغاثية التي تتبع له، حيث  تذرع البعض منها بأن ملف الجرحى ليس من اختصاصه، واكتفى البعض الآخر بعدم الرد.


جهود فردية

الكتائب والفصائل المسلحة نفضت أياديها من مؤسسات المعارضة السياسية حتى على المستوى الطبي، فكان أن تكفلت بعض الكتائب بعلاج عناصرها من مصادر الدعم والتمويل الخاصة بالكتيبة، ولكن المشكلة في أن الكثير من الفصائل المقاتلة تفتقر للدعم.


مصعب، أحد الذين بات مصير علاجهم مجهولاً، بعدما فقد عينه اليمنى واستقرت شظايا إحدى القذائف بدماغه، شظايا إن تحركت ميليمترا واحدا كفيلة أن تقتله. يوضح مصعب مأساته لـ"العربي الجديد" قائلاً "ما يصل لكتيبتنا لا يكفي حتى للتذخير، فهي تعتمد على عدد من أبناء حلب في الخارج من ميسوري الحال، ما من مصدر آخر يمكن أن يكفي لعلاج عناصر الكتيبة، فيبقى الموت أرحم لأي عنصر من أن يصاب إصابة بالغة".




في المقابل، يبدو أن بعض الموارد التي كانت تخدم بعض الفصائل على الأرض تغيرت تبعاً للتطورات العسكرية على الأرض، إذ يتحدث الضابط، محمد المهيدي، الذي فقد عينه اليسرى في إحدى معارك دير الزور، قائلا "كان الجيش الحر في مدينة "موحسن" يسيطر على حقل "التيم" النفطي التابع للمجلس العسكري في محافظة دير الزور، ذاك الذي كان يساعدنا إنتاجه من النفط الخام على تذخير كتائبنا ومعالجة جرحانا وإجراء العمليات اللازمة لهم، أما اليوم فهذا الحقل يقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بعد سيطرته على ريف دير الزور بالكامل وعلى كافة حقول النفط فيها، فلم يبق لنا أي مصدر".


ويضيف محمد المهيدي "المسؤول الأول والأخير هي المعارضة السياسية، وما يتبع لها من مؤسسات تدعي أنها تمثل الثورة، إذ لا يشعر المصاب بأن هناك مؤسسة حقيقية تعمل من خلفه، وهو الذي يقاتل 3 سنوات على الجبهة، فإذا كنا نحن من يحمل السلاح ويقف على الجبهات هذا حالنا، فكيف بالمدني المصاب والذي يحتاج لعلاج".


من جانبه، أكد الدكتور مهند سعيد، الذي يعمل ضمن فريق طبي في اسطنبول لمعالجة الجرحى، عدم تلقي أي دعم من المؤسسات التابعة للحكومة المؤقتة أو الائتلاف المعارض قائلاً "عملنا عبارة عن جهود فردية إضافة إلى التنسيق مع الداعمين الخاصين من أفراد ومنظمات".

المعنويات عالية

بعد أن تعاين تلك المنازل ومن فيها من عناصر الجيش الحر، تستوقفك مفارقة غريبة، فعلى الرغم من تلك الإصابات التي أدت بأصحابها إلى العجز، والإحباط الذي واجهوه من مؤسسات الثورة في الخارج، إلا أن تلك الإصابات لم تؤثر على هدفهم، ولم تثنِ من عزيمتهم في الاستمرار، فبعضهم تحدث بمعنويات وكأنه في بداية الثورة السورية.




أحمد لم يعد اليوم قادراً على حمل السلاح بعد العجز الذي يعانيه في القدم واليد اليمنى إثر انفجار قذيفة دبابة في الموقع المتمركز به على الجبهة. يتحدث لـ"العربي الجديد" بابتسامة تخجل من يراها قائلاً "لن أنتظر علاجي الذي يبدو أنه لن يأتي أبداً، سأعود إلى سوريا، إذا لم أقدر على حمل السلاح من جديد، سأحمل الكاميرا، وإذا لم أستطع، سأقوم بتوزيع الماء للثوار على  الجبهات، المهم أن أعود إلى الثورة".


وبينما يحسب الملازم راشد الأيام لينهي علاجه، الذي يتلقاه على يد داعمين خاصين، يرى أن الثورة طريق لا رجعة فيه مهما بلغ من مصاعب، ويضيف "يدي التي خسرتها ليست بأشرف من دم أي طفل سوري، وتلك الإصابات ليست إلا ضريبة للحرية، فمنذ حملنا السلاح ونحن ندرك بأنه من الممكن أن نفقد أرواحنا، وكما ثرنا في وجه النظام، فإن المعارضة الخارجية التي خذلتنا معادلة أبسط من النظام بألف مرة، ولن نسمح لأحد منهم بركوب الثورة ".

دلالات

ذات صلة

الصورة
مجزرة خان شيخون (عدنان الإمام)

مجتمع

مرّت سبعة أعوام على مجزرة الكيماوي التي ارتكبتها قوات النظام السوري في مدينة خان شيخون بريف إدلب شمال سورية، في الرابع من أبريل/ نسيان 2017..
الصورة

سياسة

شن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية عنيفة استهدفت كتيبة عسكرية ومستودعات أسلحة في محيط مطار حلب الدولي، ما أسفر عن سقوط 42 قتيلاً.
الصورة
تظاهرة ضد هيئة تحرير الشام-العربي الجديد

سياسة

تظاهر آلاف السوريين، اليوم الجمعة، مناهضة لسياسة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، ومطالبة بإسقاط قائدها أبو محمد الجولاني.
الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.